[ ص: 331 ] كتاب المناسك باب وجوب الحج والعمرة وثوابهما
1783 - ( عن قال { أبي هريرة } رواه : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم أحمد ومسلم . فيه دليل على أن الأمر لا يقتضي التكرار ) . والنسائي
1784 - ( وعن قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { ابن عباس الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فقال : لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها ، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع } رواه يا أيها الناس كتب عليكم الحج ، فقام أحمد بمعناه ) . والنسائي
كتاب المناسك
- باب وجوب الحج والعمرة وثوابهما
- باب وجوب الحج على الفور
- باب وجوب الحج على المعضوب إذا أمكنته الاستنابة وعن الميت إذا كان قد وجب عليه
- باب اعتبار الزاد والراحلة
- باب ركوب البحر للحاج إلا أن يغلب على ظنه الهلاك
- باب النهي عن سفر المرأة للحج أو غيره إلا بمحرم
- باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه
- باب صحة حج الصبي والعبد من غير إيجاب له عليهما
التالي
السابق
الحديث الأول تمامه ثم قال : { } وفي لفظ : { ذروني ما تركتكم } . ولو وجبت ما قمتم بها
والحديث الثاني أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه والبيهقي وقال : صحيح على شرطهما . والحاكم
وفي الباب عن عند أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن ماجه } قال الحافظ : ورجاله ثقات . كتب عليكم الحج ، فقيل : يا رسول الله في كل عام ؟ فقال : لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لم تقوموا بها ، ولو لم تقوموا بها عذبتم
وعن عليه السلام عند علي الترمذي وسنده منقطع قوله : ( باب وجوب الحج والعمرة ) . والحاكم
الحج بفتح الحاء وهو المصدر ، وبالفتح والكسر هو الاسم منه ، وأصله القصد ويطلق على العمل أيضا ، وعلى الإتيان مرة بعد أخرى ، وأصل العمرة : الزيارة . وقال : الحج كثرة القصد إلى معظم . ووجوب الحج معلوم بالضرورة الدينية . واختلف في العمرة ، فقيل واجبة ، وقيل : مستحبة ، الخليل قولان أصحهما وجوبها ، وسيأتي تفصيل ذلك قريبا . والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن وللشافعي وهو مجمع عليه ، كما قال الحج لا يجب إلا مرة واحدة النووي والحافظ وغيرهما ، وكذلك العمرة [ ص: 332 ] عند من قال بوجوبها لا تجب إلا مرة إلا أن ينذر بالحج أو العمرة وجب الوفاء بالنذر بشرطه . وقد اختلف هل الحج على الفور أو التراخي ، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى . واختلف أيضا في ، فقيل : قبل الهجرة ، قال في الفتح : وهو شاذ وقت ابتداء افتراض الحج
وقيل بعدها ثم اختلف في سنته ، فالجمهور على أنها سنة ست لأنه نزل فيها قوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله } قال في الفتح : وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض ، ويؤيده قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ : " وأقيموا " أخرجه بأسانيد صحيحة عنهم . وقيل : المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع ، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك . وقد وقع في قصة الطبراني ضمام ذكر الأمر بالحج ، وكان قدومه على ما ذكر سنة خمس الواقدي
وهذا يدل إن ثبت عنه تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها ، وقيل : سنة تسع ، حكاه النووي في الروضة والماوردي في الأحكام السلطانية ; ورجح صاحب الهدي أن افتراض الحج كان في سنة تسع أو عشر . واستدل على ذلك بأدلة فلتؤخذ منه قوله : ( لو قلتها لوجبت ) استدل به على أن النبي صلى الله عليه وسلم مفوض في شرع الأحكام ، وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول
1785 - ( وعن أبي رزين العقيلي أنه { } رواه الخمسة وصححه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ، ولا العمرة ، ولا الظعن ، فقال : حج عن أبيك واعتمر الترمذي ) . الحديث يدل على جواز ، وسيأتي الكلام عليه في باب وجوب الحج على المعضوب ، وذكره حج الولد عن أبيه العاجز عن المشي رحمه اللهتعالى في هذا الباب للاستدلال به على وجوب الحج والعمرة المصنف
قال الإمام : لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه انتهى . وقد جزم بوجوب العمرة جماعة من أهل الحديث وهو المشهور عن أحمد الشافعي ، وبه قال وأحمد إسحاق والثوري والمزني والناصر والمشهور عن المالكية أن العمرة ليست بواجبة ، وهو قول الحنفية والهادوية ولا خلاف في المشروعية وقد روي في الجامع الكافي القول بوجوب العمرة عن وزيد بن علي علي وابن عباس وابن عمر وعائشة وزين العابدين وطاوس والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد . واستدل القائلون بعدم الوجوب بما أخرجه وعطاء الترمذي وصححه أحمد والبيهقي وابن أبي شيبة عن وعبد بن حميد : { جابر } وأجيب عن الحديث بأن في إسناده أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا [ ص: 333 ] رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي ؟ فقال : لا ، وأن تعتمر خير لك وفي رواية أولى لك . وهو ضعيف وتصحيح الحجاج بن أرطاة الترمذي له فيه نظر ; لأن الأكثر على تضعيف واتفقوا على أنه مدلس قال الحجاج النووي : ينبغي أن لا يغتر بالترمذي في تصحيحه ، فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه انتهى . على أن تصحيح الترمذي له إنما ثبت في رواية الكرخي فقط ، وقد نبه صاحب الإمام على أنه لم يرد على قوله حسن في جميع الروايات عنه إلا في رواية الكرخي . وقد قال : إنه مكذوب باطل ، وهو إفراط لأن ابن حزم وإن كان ضعيفا فليس متهما بالوضع الحجاج
. وقد رواه من حديث البيهقي سعيد بن عفير عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله عن عن أبي الزبير بنحوه . ورواه جابر عن ابن جريج ابن المنكدر عن ، ورواه جابر ابن عدي من طريق أبي عصمة عن ابن المنكدر عن أبي صالح وأبو عصمة قد كذبوه
وفي الباب عن عند أبي هريرة الدارقطني وابن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { والبيهقي } وإسناده ضعيف ، كما قال الحافظ . وعن الحج جهاد والعمرة تطوع عند طلحة بإسناد ضعيف . وعن ابن ماجه عند ابن عباس قال الحافظ : ولا يصح من ذلك شيء ، وبهذا تعرف أن الحديث من قسم الحسن لغيره ، وهو محتج به عند الجمهور ويؤيده ما عند البيهقي عن الطبراني أبي أمامة مرفوعا : { } واستدل القائلون بوجوب العمرة بما أخرجه من مشى إلى صلاة مكتوبة فأجره كحجة ، ومن مشى إلى صلاة تطوع فأجره كعمرة من حديث الدارقطني بلفظ : { زيد بن ثابت } وأجيب عنه بأن في إسناده الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف ، وفي الحديث أيضا انقطاع ورواه موقوفا على البيهقي زيد قال الحافظ : وإسناده أصح ، وصححه ورواه الحاكم ابن عدي عن ، وفي إسناده جابر . ابن لهيعة
وفي الباب عن في سؤال عمر جبريل ، وفيه : " وأن تحج وتعتمر " أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم عن والدارقطني عند عائشة أحمد : { وابن ماجه } وسيأتي . والحق عدم قالت : يا رسول الله على النساء جهاد ؟ قال . : عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف ، ولا دليل يصلح لذلك لا سيما مع اعتضادها بما تقدم من الأحاديث القاضية بعدم الوجوب . ويؤيد ذلك اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الحج في حديث : { وجوب العمرة } واقتصار الله جل جلاله على الحج في قوله تعالى: { بني الإسلام على خمس ولله على الناس حج البيت } وقد استدل على الوجوب بحديث الآتي قريبا وسيأتي الجواب عنه . وأما قوله تعالى: { عمر وأتموا الحج والعمرة لله } فلفظ التمام مشعر بأنه إنما يجب بعد الإحرام لا قبله . ويدل على ذلك ما أخرجه الشيخان وأهل السنن [ ص: 334 ] وأحمد والشافعي عن وابن أبي شيبة قال : { يعلى بن أمية بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق فقال : كيف تأمرني أن اصنع في عمرتي ; فأنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم الآية } . فهذا السبب في نزول الآية ، والسائل قد كان أحرم وإنما سأل كيف يصنع " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو
1786 - ( وعن قالت { عائشة } رواه : قلت : يا رسول الله هل على النساء من جهاد ؟ قال : نعم ، عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة أحمد وإسناده صحيح ) . الحديث فيه دليل على أن الجهاد غير واجب على النساء ، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك ، وفيه إشارة إلى وجوب العمرة وقد تقدم البحث عن ذلك . وابن ماجه
1787 - ( وعن قال { أبي هريرة } متفق عليه ، وهو حجة لمن فضل نفل الحج على نفل الصدقة ) . : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان بالله وبرسوله ، قال : ثم ماذا ؟ قال : ثم الجهاد في سبيل الله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : ثم حج مبرور
1788 - ( وعن قال { عمر بن الخطاب محمد ما الإسلام ؟ قال : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتحج البيت وتعتمر ، وتغتسل من الجنابة ، وتتم الوضوء وتصوم رمضان ، وذكر باقي الحديث ، وأنه قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم } رواه : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء رجل فقال : يا وقال : هذا إسناد ثابت صحيح . ورواه الدارقطني أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين . )
1789 - ( وعن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } رواه الجماعة إلا العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة أبا داود ) . قوله : ( إيمان بالله . . . إلخ ) فيه دليل على أن ، والجهاد [ ص: 335 ] أفضل من الحج المبرور . وقد الإيمان بالله وبرسوله أفضل من الجهاد فتارة تجعل الأفضل الجهاد وتارة الإيمان وتارة الصلاة وتارة غير ذلك ، وأحق ما قيل في الجمع بينهما : إن بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب ، فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال وقوة على مقارعة الأبطال قيل له : أفضل الأعمال الجهاد ، وإذا كان كثير المال قيل له : أفضل الأعمال الصدقة ، ثم كذلك يكون الاختلاف على حسب اختلاف المخاطبين قوله : ( مبرور ) قال اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل الأعمال من مفضولها ، ابن خالويه : المبرور : المقبول . وقال غيره : الذي لا يخالطه شيء من الإثم . ورجحه النووي . وقيل غير ذلك . وقال : الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى ، وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل القرطبي ولأحمد من حديث والحاكم { جابر } قال في الفتح : وفي إسناده ضعف ولو ثبت كان هو المتعين دون غيره قالوا : يا رسول الله ما بر الحج ؟ قال : إطعام الطعام ، وإفشاء السلام
قوله : ( ما الإسلام ) إلى قوله : " وتحج البيت " قد تقدم الكلام على هذه الكلمات في أوائل كتاب الصلاة قوله : ( وتعتمر ) فيه متمسك لمن قال بوجوب العمرة ، ولكنه لا يكون مجرد اقتران العمرة بهذه الأمور الواجبة دليلا على الوجوب لما تقرر في الأصول من
ضعف دلالة الاقتران
لا سيما وقد عارضها ما سلف من الأدلة القاضية بعدم الوجوب . فإن قيل : إن وقوع العمرة في جواب من سأل عن الإسلام يدل على الوجوب ، فيقال : ليس كل أمر من الإسلام واجبا ، والدليل على ذلك حديث شعب الإسلام والإيمان ، فإنه اشتمل على أمور ليست بواجبة بالإجماع قوله : ( كفارة لما بينهما ) أشار إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر . قال : وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى أن المراد تعميم ذلك ثم بالغ في الإنكار عليه . وقد تقدم البحث عن مثل هذا في مواضع من هذا الشرح . وقد استشكل بعضهم كون العمرة كفارة ابن عبد البر ؟ وأجيب بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها ، وتكفير الاجتناب للكبائر عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية ، وقد جعل مع أن اجتناب الكبائر يكفر الصغائر ، فماذا تكفر العمرة هذا الحديث المذكور من جملة أدلة وجوب العمرة وفضلها وهو لا يصلح للاستدلال به على الوجوب ، وقد قيل : إنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه البخاري الترمذي وغيره من حديث مرفوعا { ابن مسعود } فإن ظاهره التسوية بين أصل الحج والعمرة ، ولكن الحق ما أسلفناه ، لأن هذا استدلال بمجرد الاقتران وقد تقدم ما فيه ، وأما الأمر بالمتابعة فهو مصروف عن معناه الحقيقي بما سلف . تابعوا بين الحج والعمرة فإن المتابعة بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد ، وليس للحجة المبرورة جزاء إلا الجنة
وفي الحديث دلالة على [ ص: 336 ] استحباب خلافا لقول من قال : يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال : يكره أكثر من مرة في الشهر من غيرهم ، واستدل للمالكية بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة وأفعاله على الوجوب أو الندب الاستكثار من الاعتمار
وتعقب بأن المندوب لا ينحصر في أفعاله صلى الله عليه وسلم فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لدفع المشقة عن أمته ، وقد ندب إلى العمرة بلفظه ، فثبت الاستحباب من غير تقييد واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن يكن متلبسا بالحج إلا ما نقل عن الحنفية أنها عرفة ويوم النحر وأيام التشريق . وعن تكره في يوم الهادوية أنها تكره في أيام التشريق فقط ، وعن الهادوية أنها تكره في أشهر الحج لغير المتمتع والقارن إذ يشتغل بها عن الحج ، ويجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في عمره ثلاث عمر مفردة كلها في أشهر الحج ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في باب جواز العمرة في جميع السنة
والحديث الثاني أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه والبيهقي وقال : صحيح على شرطهما . والحاكم
وفي الباب عن عند أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن ماجه } قال الحافظ : ورجاله ثقات . كتب عليكم الحج ، فقيل : يا رسول الله في كل عام ؟ فقال : لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لم تقوموا بها ، ولو لم تقوموا بها عذبتم
وعن عليه السلام عند علي الترمذي وسنده منقطع قوله : ( باب وجوب الحج والعمرة ) . والحاكم
الحج بفتح الحاء وهو المصدر ، وبالفتح والكسر هو الاسم منه ، وأصله القصد ويطلق على العمل أيضا ، وعلى الإتيان مرة بعد أخرى ، وأصل العمرة : الزيارة . وقال : الحج كثرة القصد إلى معظم . ووجوب الحج معلوم بالضرورة الدينية . واختلف في العمرة ، فقيل واجبة ، وقيل : مستحبة ، الخليل قولان أصحهما وجوبها ، وسيأتي تفصيل ذلك قريبا . والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن وللشافعي وهو مجمع عليه ، كما قال الحج لا يجب إلا مرة واحدة النووي والحافظ وغيرهما ، وكذلك العمرة [ ص: 332 ] عند من قال بوجوبها لا تجب إلا مرة إلا أن ينذر بالحج أو العمرة وجب الوفاء بالنذر بشرطه . وقد اختلف هل الحج على الفور أو التراخي ، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى . واختلف أيضا في ، فقيل : قبل الهجرة ، قال في الفتح : وهو شاذ وقت ابتداء افتراض الحج
وقيل بعدها ثم اختلف في سنته ، فالجمهور على أنها سنة ست لأنه نزل فيها قوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله } قال في الفتح : وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض ، ويؤيده قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ : " وأقيموا " أخرجه بأسانيد صحيحة عنهم . وقيل : المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع ، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك . وقد وقع في قصة الطبراني ضمام ذكر الأمر بالحج ، وكان قدومه على ما ذكر سنة خمس الواقدي
وهذا يدل إن ثبت عنه تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها ، وقيل : سنة تسع ، حكاه النووي في الروضة والماوردي في الأحكام السلطانية ; ورجح صاحب الهدي أن افتراض الحج كان في سنة تسع أو عشر . واستدل على ذلك بأدلة فلتؤخذ منه قوله : ( لو قلتها لوجبت ) استدل به على أن النبي صلى الله عليه وسلم مفوض في شرع الأحكام ، وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول
1785 - ( وعن أبي رزين العقيلي أنه { } رواه الخمسة وصححه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ، ولا العمرة ، ولا الظعن ، فقال : حج عن أبيك واعتمر الترمذي ) . الحديث يدل على جواز ، وسيأتي الكلام عليه في باب وجوب الحج على المعضوب ، وذكره حج الولد عن أبيه العاجز عن المشي رحمه اللهتعالى في هذا الباب للاستدلال به على وجوب الحج والعمرة المصنف
قال الإمام : لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه انتهى . وقد جزم بوجوب العمرة جماعة من أهل الحديث وهو المشهور عن أحمد الشافعي ، وبه قال وأحمد إسحاق والثوري والمزني والناصر والمشهور عن المالكية أن العمرة ليست بواجبة ، وهو قول الحنفية والهادوية ولا خلاف في المشروعية وقد روي في الجامع الكافي القول بوجوب العمرة عن وزيد بن علي علي وابن عباس وابن عمر وعائشة وزين العابدين وطاوس والحسن البصري وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد . واستدل القائلون بعدم الوجوب بما أخرجه وعطاء الترمذي وصححه أحمد والبيهقي وابن أبي شيبة عن وعبد بن حميد : { جابر } وأجيب عن الحديث بأن في إسناده أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا [ ص: 333 ] رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي ؟ فقال : لا ، وأن تعتمر خير لك وفي رواية أولى لك . وهو ضعيف وتصحيح الحجاج بن أرطاة الترمذي له فيه نظر ; لأن الأكثر على تضعيف واتفقوا على أنه مدلس قال الحجاج النووي : ينبغي أن لا يغتر بالترمذي في تصحيحه ، فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه انتهى . على أن تصحيح الترمذي له إنما ثبت في رواية الكرخي فقط ، وقد نبه صاحب الإمام على أنه لم يرد على قوله حسن في جميع الروايات عنه إلا في رواية الكرخي . وقد قال : إنه مكذوب باطل ، وهو إفراط لأن ابن حزم وإن كان ضعيفا فليس متهما بالوضع الحجاج
. وقد رواه من حديث البيهقي سعيد بن عفير عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله عن عن أبي الزبير بنحوه . ورواه جابر عن ابن جريج ابن المنكدر عن ، ورواه جابر ابن عدي من طريق أبي عصمة عن ابن المنكدر عن أبي صالح وأبو عصمة قد كذبوه
وفي الباب عن عند أبي هريرة الدارقطني وابن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { والبيهقي } وإسناده ضعيف ، كما قال الحافظ . وعن الحج جهاد والعمرة تطوع عند طلحة بإسناد ضعيف . وعن ابن ماجه عند ابن عباس قال الحافظ : ولا يصح من ذلك شيء ، وبهذا تعرف أن الحديث من قسم الحسن لغيره ، وهو محتج به عند الجمهور ويؤيده ما عند البيهقي عن الطبراني أبي أمامة مرفوعا : { } واستدل القائلون بوجوب العمرة بما أخرجه من مشى إلى صلاة مكتوبة فأجره كحجة ، ومن مشى إلى صلاة تطوع فأجره كعمرة من حديث الدارقطني بلفظ : { زيد بن ثابت } وأجيب عنه بأن في إسناده الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف ، وفي الحديث أيضا انقطاع ورواه موقوفا على البيهقي زيد قال الحافظ : وإسناده أصح ، وصححه ورواه الحاكم ابن عدي عن ، وفي إسناده جابر . ابن لهيعة
وفي الباب عن في سؤال عمر جبريل ، وفيه : " وأن تحج وتعتمر " أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم عن والدارقطني عند عائشة أحمد : { وابن ماجه } وسيأتي . والحق عدم قالت : يا رسول الله على النساء جهاد ؟ قال . : عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف ، ولا دليل يصلح لذلك لا سيما مع اعتضادها بما تقدم من الأحاديث القاضية بعدم الوجوب . ويؤيد ذلك اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الحج في حديث : { وجوب العمرة } واقتصار الله جل جلاله على الحج في قوله تعالى: { بني الإسلام على خمس ولله على الناس حج البيت } وقد استدل على الوجوب بحديث الآتي قريبا وسيأتي الجواب عنه . وأما قوله تعالى: { عمر وأتموا الحج والعمرة لله } فلفظ التمام مشعر بأنه إنما يجب بعد الإحرام لا قبله . ويدل على ذلك ما أخرجه الشيخان وأهل السنن [ ص: 334 ] وأحمد والشافعي عن وابن أبي شيبة قال : { يعلى بن أمية بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق فقال : كيف تأمرني أن اصنع في عمرتي ; فأنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم الآية } . فهذا السبب في نزول الآية ، والسائل قد كان أحرم وإنما سأل كيف يصنع " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو
1786 - ( وعن قالت { عائشة } رواه : قلت : يا رسول الله هل على النساء من جهاد ؟ قال : نعم ، عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة أحمد وإسناده صحيح ) . الحديث فيه دليل على أن الجهاد غير واجب على النساء ، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك ، وفيه إشارة إلى وجوب العمرة وقد تقدم البحث عن ذلك . وابن ماجه
1787 - ( وعن قال { أبي هريرة } متفق عليه ، وهو حجة لمن فضل نفل الحج على نفل الصدقة ) . : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان بالله وبرسوله ، قال : ثم ماذا ؟ قال : ثم الجهاد في سبيل الله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : ثم حج مبرور
1788 - ( وعن قال { عمر بن الخطاب محمد ما الإسلام ؟ قال : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتحج البيت وتعتمر ، وتغتسل من الجنابة ، وتتم الوضوء وتصوم رمضان ، وذكر باقي الحديث ، وأنه قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم } رواه : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء رجل فقال : يا وقال : هذا إسناد ثابت صحيح . ورواه الدارقطني أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين . )
1789 - ( وعن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } رواه الجماعة إلا العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة أبا داود ) . قوله : ( إيمان بالله . . . إلخ ) فيه دليل على أن ، والجهاد [ ص: 335 ] أفضل من الحج المبرور . وقد الإيمان بالله وبرسوله أفضل من الجهاد فتارة تجعل الأفضل الجهاد وتارة الإيمان وتارة الصلاة وتارة غير ذلك ، وأحق ما قيل في الجمع بينهما : إن بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب ، فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال وقوة على مقارعة الأبطال قيل له : أفضل الأعمال الجهاد ، وإذا كان كثير المال قيل له : أفضل الأعمال الصدقة ، ثم كذلك يكون الاختلاف على حسب اختلاف المخاطبين قوله : ( مبرور ) قال اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل الأعمال من مفضولها ، ابن خالويه : المبرور : المقبول . وقال غيره : الذي لا يخالطه شيء من الإثم . ورجحه النووي . وقيل غير ذلك . وقال : الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى ، وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل القرطبي ولأحمد من حديث والحاكم { جابر } قال في الفتح : وفي إسناده ضعف ولو ثبت كان هو المتعين دون غيره قالوا : يا رسول الله ما بر الحج ؟ قال : إطعام الطعام ، وإفشاء السلام
قوله : ( ما الإسلام ) إلى قوله : " وتحج البيت " قد تقدم الكلام على هذه الكلمات في أوائل كتاب الصلاة قوله : ( وتعتمر ) فيه متمسك لمن قال بوجوب العمرة ، ولكنه لا يكون مجرد اقتران العمرة بهذه الأمور الواجبة دليلا على الوجوب لما تقرر في الأصول من
ضعف دلالة الاقتران
لا سيما وقد عارضها ما سلف من الأدلة القاضية بعدم الوجوب . فإن قيل : إن وقوع العمرة في جواب من سأل عن الإسلام يدل على الوجوب ، فيقال : ليس كل أمر من الإسلام واجبا ، والدليل على ذلك حديث شعب الإسلام والإيمان ، فإنه اشتمل على أمور ليست بواجبة بالإجماع قوله : ( كفارة لما بينهما ) أشار إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر . قال : وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى أن المراد تعميم ذلك ثم بالغ في الإنكار عليه . وقد تقدم البحث عن مثل هذا في مواضع من هذا الشرح . وقد استشكل بعضهم كون العمرة كفارة ابن عبد البر ؟ وأجيب بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها ، وتكفير الاجتناب للكبائر عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية ، وقد جعل مع أن اجتناب الكبائر يكفر الصغائر ، فماذا تكفر العمرة هذا الحديث المذكور من جملة أدلة وجوب العمرة وفضلها وهو لا يصلح للاستدلال به على الوجوب ، وقد قيل : إنه أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه البخاري الترمذي وغيره من حديث مرفوعا { ابن مسعود } فإن ظاهره التسوية بين أصل الحج والعمرة ، ولكن الحق ما أسلفناه ، لأن هذا استدلال بمجرد الاقتران وقد تقدم ما فيه ، وأما الأمر بالمتابعة فهو مصروف عن معناه الحقيقي بما سلف . تابعوا بين الحج والعمرة فإن المتابعة بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد ، وليس للحجة المبرورة جزاء إلا الجنة
وفي الحديث دلالة على [ ص: 336 ] استحباب خلافا لقول من قال : يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال : يكره أكثر من مرة في الشهر من غيرهم ، واستدل للمالكية بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة وأفعاله على الوجوب أو الندب الاستكثار من الاعتمار
وتعقب بأن المندوب لا ينحصر في أفعاله صلى الله عليه وسلم فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لدفع المشقة عن أمته ، وقد ندب إلى العمرة بلفظه ، فثبت الاستحباب من غير تقييد واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن يكن متلبسا بالحج إلا ما نقل عن الحنفية أنها عرفة ويوم النحر وأيام التشريق . وعن تكره في يوم الهادوية أنها تكره في أيام التشريق فقط ، وعن الهادوية أنها تكره في أشهر الحج لغير المتمتع والقارن إذ يشتغل بها عن الحج ، ويجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في عمره ثلاث عمر مفردة كلها في أشهر الحج ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في باب جواز العمرة في جميع السنة