الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1637 حديث تاسع لسهيل بن أبي صالح

مالك ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أنه قال : كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم بارك لنا في ثمرنا ، وبارك لنا في مدينتنا ، وبارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في مدنا ، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك ، وإني عبدك ونبيك ، وأنه دعاك [ ص: 267 ] لمكة ، وإني أدعوك للمدينة ، بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه ، ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر .

التالي السابق


وقد ذكر البخاري ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا حسين بن الحسن ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا ، قالوا : وفي نجدنا ، قال اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا ، قالوا : وفي نجدنا ، قال : هناك الزلازل والفتن ، وبها قرن الشيطان .

في هذا الحديث اختصاص الرئيس وانتخابه بأول ما يطل من الفاكهة ، إما هدية وجلالة وتعظيما ومحبة ، وإما تبركا بدعائه ، والذي يغلب علي أن ذلك إنما كان من الصحابة رضوان الله عليهم ; ليدعو لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبركة ، وسياق هذا الحديث يدل على ذلك ، والمعنيان جميعا محتملان .

وأما دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمجاب لا محالة ، وقد ظن قوم أن هذا الحديث يدل على أن المدينة أفضل من مكة لدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها بمثل دعاء إبراهيم لمكة ، ومثله معه ، وهذا يحتمل لموضع دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وموضع التضعيف في ذلك إلا أنه قد جاء في مكة آثار كثيرة تدل على فضلها .

وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في الأفضل منهما ، وقد بينا الصحيح من ذلك عندنا في باب خبيب بن عبد الرحمن من كتابنا هذا ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : بني الإسلام على خمس ، فذكر منها حج البيت الحرام ، وجعل الإلحاد فيه من الكبائر ، وجعله قبلة الأحياء والأموات ، ورضي عن عباده فحط أوزارهم بقصد القاصد له مرة من دهره ، وقال - صلى الله عليه وسلم - وهو بالحزورة : [ ص: 268 ] والله إني لأعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت .

وقد مضى من هذا المعنى ما يكفي في باب خبيب وباب زيد بن رباح ، وبالله التوفيق .

وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، وقوله : إن الله حرم مكة ، ولم يحرمها الناس ، دليل على فضلها على سائر ما حرمه الناس ، وأن دعاء إبراهيم لمكة كان كما قال عز وجل عنه ( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) الآية ولو كان الدعاء بالبركة في صاع المدينة ومدها يدل على فضلها على مكة ، لكان كذلك دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبركة في الشام واليمن تفضيلا منه لهما على مكة ، وهذا لا يقوله أحد ، وأما دعاء إبراهيم عليه السلام ، فهو معنى قول الله عز وجل ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ) .

ذكر الفرياني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ومجاهد في قوله ( وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم ) قالا : سأل الرزق لمن آمن .

وحدثنا محمد بن عبد الله بن حكم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال : حدثنا حميد ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله ( اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) قال : كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون الناس ، ومن كفر أيضا ، فإني أرزقه كما [ ص: 269 ] أرزق المؤمنين ، أأخلق خلقا لا أرزقهم ؟ أمتعهم قليلا ثم اضطرهم إلى عذاب غليظ ، قال : ثم قرأ ابن عباس ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ) .

وفي هذا الحديث من الآداب وجميل الأخلاق : إعطاء الصغير من الولدان وإتحافه بالطرف ، وذك يدل على أنه أولى بذلك من الكبير ; لقلة صبره وفرحه بذلك ، وفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة في كل حال .




الخدمات العلمية