الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 368 ] فصل ( السلام والدعاء لأهل الذمة ومصافحتهم ) .

قيل للإمام أحمد رضي الله عنه نعامل اليهود والنصارى ونأتيهم في منازلهم وعندهم قوم مسلمون أسلم عليهم ؟ قال نعم تنوي السلام على المسلمين فيؤخذ منه وجوب النية لذلك ، وسبق في الفصل قبله يسلم عليهم ولا ينويه فيؤخذ منه أن هذه النية لا تجب لكن لا ينوي السلام عليه . وهاتان الروايتان هما نظير الروايتين فيمن حلف لا يسلم على رجل فسلم على قوم هو فيهم هل يحنث إن لم ينو إخراجه أو يحنث إن قصده فقط .

وسئل أحمد عن مصافحة أهل الذمة فكرهه وروى أبو حفص حديث أبي هريرة في النهي عن مصافحتهم وابتدائهم بالسلام وقال له أبو داود : يكره أن يقول الرجل للذمي كيف أصبحت ، أو كيف أنت ؟ أو كيف حالك ؟ قال أكرهه ، هذا عندي أكبر من السلام وقال الشيخ وجيه الدين من أصحابنا في شرح الهداية : أهل الذمة لا تبدأهم بالسلام ، ويجوز أن يجيبهم هداك الله ، وأطال الله بقاءك ، ونحوه . وكذا قال بعض الشافعية . واختار بعضهم أنه يقول ذلك للحاجة فقط .

ولم يصرح أصحابنا بخلاف قول الشيخ تقي الدين لكن ذكروا قول أحمد رحمه الله في كيف أصبحت ؟ ونحوه واقتصروا عليه ، فيحتمل أن يؤخذ منه منع غيره كالسلام ويحتمل جواز منع الدعاء بالبقاء ونحوه إلا بنية الجزية أو الإسلام ، أو الإخبار بالواقع . وهذا قد يقال هو نظير نص أحمد في أكرمك الله ينوي الإسلام فيكون هو مذهبه فيهما ويحتمل مع الحاجة فقط ، وأما الدعاء بالهداية ونحوها فهذا جوازه واضح . [ ص: 369 ]

وقال الشيخ تقي الدين إن خاطبه بكلام غير السلام مما يؤنسه به فلا بأس بذلك وقال صاحب المحيط من الحنفية إن نوى بقلبه أن الله يطيل بقاءه لعله يسلم أو يؤدي الجزية عن ذل وصغار فلا بأس به لأنه دعا له الإسلام في الأول وفي الثاني منفعة للمسلمين وإن لم ينو شيئا لا يجوز قال : ولو قال لذمي أرشدك الله أو هداك الله فحسن وقال إبراهيم الحربي : سئل أحمد بن حنبل عن الرجل المسلم يقول للرجل النصراني أكرمك الله قال نعم .

يقول أكرمك الله يعني بالإسلام ويتوجه فيه ما سبق من الدعاء بالبقاء وإنه كالدعاء بالهداية ويشبه هذا أعزك الله ، وذكر أبو جعفر النحاس عن الشافعي أنه قاله لنصراني وأنه عوتب فقال أخذته من عز الشيء إذا قل قال أحمد بن القاسم الطوسي : كان أحمد بن حنبل إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه فقيل له في ذلك ، فقال : لا أقدر أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه .

وقال ابن هبيرة في الحديث الرابع من حديث أبي موسى .

وروي عن أحمد بن حنبل أنه كان إذا رأى يهوديا أو نصرانيا غمض عينيه ويقول : لا تأخذوا عني هذا فإني لم أجده عن أحد ممن تقدم ولكني لا أستطيع أن أرى من كذب على الله وكنى أحمد نصرانيا واحتج بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل عمر رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية