الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  العسكرية العربية الإسلامية

                  اللواء الركن / محمود شيت خطاب

                  تـقديم بقلم: عمر عبيد حسنة

                  إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هـادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:

                  فإن قضية الصراع بين الخير والشر، والحق والباطل سنة من سنن الحياة، وهي قديمة قدم الخلق. [ ص: 9 ]

                  قال تعالى: ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) (الحج:40) ، وأن البقاء للأصلح، قال تعالى: ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) (الأنبياء:105) .

                  هؤلاء الصالحون هـم الذين يمتلكون العقيدة الصحيحة، ويلتزمون بها فتجعل منهم أناسا قادرين على عمارة الأرض، وقيادة الحضارة، يضعون عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، إنهم ورثة الأنبياء.

                  والصراع بين الحق والباطل أخذ أشكالا متعددة، وكانت ميادينه مختلفة، فهو صراع على مستوى الفكر والثقافة والحضارة والسياسة والتربية والاقتصاد والإعلام... إلخ، وقد يبلغ الذروة فيأخذ شكل المعارك العسكرية، فيكون آخر الدواء الكي.

                  ومن هـنا كان لزاما على أهل الحق الذين يسيرون على قدم النبوة باعتبارهم مستهدفين لما يحملون من حق يكشفون به الباطل ويفضحون أهله أن يكونوا آخذين حذرهم، لا يغفلون عن عدوهم، قال تعالى: ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) (البروج:8) ، وقال: ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) (الحج:40) ، وقال: [ ص: 10 ]

                  ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ) (النساء: 71) ، وقال: ( ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) (النساء:102) ، وكان عليهم أيضا استفراغ جهدهم في الإعداد والاستعداد ماديا ومعنويا؛ عيونهم ساهرة، ومرابطتهم دائمة؛ استجابة لقوله تعالى: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) (الأنفال:60) .

                  ولا بد لنا من الاعتراف بجرأة أننا نعيش الآن كعرب مسلمين أكثر من أي وقت مضى مرحلة (القصعة) ، ونعاني من صورة الغثاء التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الانتهاء إليها؛ حيث تداعت علينا الأمم من كل حدب وصوب، وانتقصت أرضنا، وانتهك عرضنا، على الرغم من إصرار بعضنا على الاستكبار بغير الحق، وعدم الاعتراف بالحال التي نحن عليها، والذي يشكل بداية الطريق إلى الرؤية الصائبة، وتشخيص الداء، ووصف الدواء.

                  ونحن -بلا شك- نعاني مأساة التخلف الثقافي، والسقوط الحضاري، والانكسار العسكري، والوهن الخلقي، ولقد كثر الكلام عن التخلف من كل المستويات، لكننا مع الأسف استغنينا بالكلام على التخلف عن ممارسة وسائل النهوض والتقدم، ولقد أصبنا في تاريخنا الطويل بنكسات ونكبات وأيام سود وسنين عجاف، وضعف التزامنا بهذا الدين، لكن [ ص: 11 ] بالرغم من هـذا كله بقي انتماؤنا له، وكان هـذا الانتماء مرتكز القادة والمفكرين والمصلحين وحاملي لواء التجديد. هـزم المسلمون سياسيا وعسكريا وبقي الإسلام علما وحضارة، أما الآن فإننا لا نعاني من فقدان الالتزام وبقاء الانتماء، وإنما نعاني من التذويب والذوبان، وذلك بفقد الالتزام والانتماء معا، وهنا تكمن المعادلة الصعبة، وتختلف مرحلة سقوطنا الحضاري وانكسارنا العسكري الحالي عن مراحل الهزائم التاريخية جميعها، ولعل أول الطريق إلى الخلاص إنما يكون بتجديد عملية الانتماء لهذا الدين بشكل عام، والاعتزاز بقيمه، والالتزام بأحكامه، والانضباط بشرعه، ومن ثم تكون مرحلة الاستعلاء بالإيمان، ولا يتأتى هـذا إلا بتجديد وتحديد عملية التصور الإسلامي، وبيان وامتلاك وسيلة التفوق الحضاري، والاستفادة من درس التاريخ.

                  إن الإسلام كما فهمه السلف الصالح فقادوا به الحضارة، وسادوا به الدنيا، وحملوا لها الخير هـو بتأكيد غير الفهم للإسلام الذي نحن عليه بواقعنا الراهن. ولا يكفي في ذلك عودة النخبة وهو أول الطريق، بل لا بد من عودة الجماهير المسلمة بعد أن طال البعد وكثرت الدروس، وقل الاعتبار.

                  إننا بحاجة في مواجهة السقوط العسكري، الذي يملأ علينا حياتنا إلى إعادة بعث النفوس، وتجديد ثقتها بالعقيدة العسكرية الإسلامية، وإعادة بناء مكونات الفرد المسلم بشكل عام؛ لتكون العسكرية ومفاهيم الجهاد جزءا عضويا منه.

                  قد يكون صحيحا: إن الإنسان في مراحل التخلف ومناخ التخلف يصبح عاجزا عن الإبصار والاعتبار، لكن من المحقق أيضا أن التحدي [ ص: 12 ] يوقظ الحس، ويلهب المشاعر، ويذكي الروح، ويجمع الطاقات النفسية والمادية؛ لتبدأ عملية الإقلاع من جديد.

                  إن ردود الفعل السوية تقتضي، وقد قامت إسرائيل في موطن القلب من العالم الإسلامي على الرؤية الدينية التوراتية، وجعلت من العسكرية الإسرائيلية وسيلتها الأساسية للتمكين للدولة والتمهيد للاستيطان، واستعملت في مواجهتها الحلول غير الإسلامية كافة وسقطت، وسقطت معها كل الشعارات التي استنزفت عقولنا، وبددت طاقاتنا، وأهدرت إمكاناتنا على مدى نصف قرن من الزمان، ولا زالت إسرائيل تتقدم بخططها وخطواتها، تقضم أطراف الجسم الإسلامي الواحد تلو الآخر، كما لا يزال كثيرون في عالمنا العربي الإسلامي يصرون على السير في الطريق المسدود، الذي هـو في نهاية المطاف لمصلحة يهود.

                  إن ردود الفعل السوية تقتضي العودة إلى النفس والتفتيش عن الذات، واختبار الوسائل، وإعادة النظر في العقائد العسكرية التي تسود معظم عالمنا العربي، والتي ما زالت تسلمنا من هـزيمة إلى هـزيمة، لعلنا بذلك نوقف عملية العد التنازلي التي بدأ الاستباق إليها.

                  وعلى الرغم من ذلك فلا تزال العقيدة الإسلامية والعسكرية جزء منها غائبة غيابا كاملا عن ساحة الصراع، مجهولة جهلا مطبقا في القوات المسلحة العربية الإسلامية والمعاهد والمؤسسات والكليات العسكرية، على الرغم من بعض مظاهر الانتصار العاطفي لها في حدود الابتزاز السياسي، الأمر الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. [ ص: 13 ]

                  ذلك أن بعض القادة في عالم المسلمين لا يزالون يعتقدون أنه لا صلة للعقيدة بالنصر، ولذلك لم يكونوا مستشعرين بشعار الإيمان، وربما كان منهم من يجاهر بالفسوق والعصيان، يحسبون أن النصر للآلة الفاتكة، ويهملون شأن الذي يحرك الآلة، وينسون أو يتناسون أن الطائرات والدبابات والأسلحة لا تخرج عن كونها كتلا من الحديد، صنعها البشر لاستخدامها في الحروب، ولا يزال الإنسان هـو المسيطر عليها، وبدونه لا قيمة لكل سلاح وعتاد. وبدون عقيدة تحقق عنده إرادة القتال، وتوحد الصف، وتحقق الانسجام، وتفتح أمام عينه البعد الغيبي للحياة لا يكون قتال ولا يكون انتصار.

                  إن الذين يحسبون أن النصر للآلة، ويهملون شأن الإنسان إنما يضعون المقدمات الخاطئة التي سوف تسلمنا إلى نتائجها الخاطئة حتما، وهي أن يهود يمتلكون التفوق التكنولوجي والآلة الفاتكة ونحن لا نملكها، فلم يبق أمامنا إلا الهزيمة والاستسلام لعدونا مهما حاولنا تسمية الأمور بغير أسمائها، وينسون أننا نمتلك التفوق الاستراتيجي، وأن ادعاءهم هـذا مدفوع باستقراء الواقع البشري والجغرافي والاقتصادي، ومدفوع أيضا ببعض النماذج الخيرة المؤمنة، التي أبلت بلاء حسنا، ولم يصبح السلاح عبئا عليها.

                  ولا شك أن هـذا من آثار الغزو الثقافي ، أو إن شئت فقل: التطبيع الثقافي ، في المصطلح الجديد بعد انكشاف أمر المصطلح القديم، الذي كان هـمه ودأبه تهميش مفاهيم الجهاد، وتمييع المصطلحات الإسلامية، وقراءة العسكرية الإسلامية بعقول ملوثة بالصليبية والصهيونية [ ص: 14 ] والاستشراق، أو بعقول شيوعية من أصحاب الولاء المزدوج، الذين جعلوا دوافع الفتوح اقتصادية، وفسروا التاريخ الإسلامي تفسيرا ماديا، وقسموا الصحابة إلى يميني ويساري ووسط، إلى غير ذلك من المهازل التي يكذبها الواقع والتاريخ، ويأباها الدين وسلوك المجاهدين.

                  لقد كتب أسلافنا التاريخ وصنعوه، وقرأه لنا جيل الغزو الفكري على هـواه، أما الآن وفي هـذه المرحلة من السقوط الحضاري فأعداء الإسلام هـم الذين يكتبون تاريخنا، وهم يقرءونه لنا أيضا، حتى أصبح الاعتقاد السائد عند أكثر العسكريين أن التدين يعني: التخلف والرجعية والجمود. وأن التقوى تعني: البلادة والتواكل والغفلة و (الدروشة) ، وأن العسكري الحق هـو الذي لا يكون متدينا، وهكذا تستمر رحلة التضليل، وتستمر معها الهزائم تنزل على رأس هـذه الأمة.

                  نحن بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى الثقافة العسكرية العربية الإسلامية في هـذه السنين العجاف التي يعيشها عالم المسلمين، بحاجة إلى قراءة السيرة النبوية وإعادة كتابة المعارك الإسلامية، وتقديم القراءة الإسلامية أو التفسير الإسلامي لمعاركنا الحديثة أو لهزائمنا الحديثة.

                  لا بد من إغناء تصورنا، وذلك بقراءة العسكرية الإسلامية كجزء من العقيدة الإسلامية وثمرة لها، حتى نتمكن من مد الرؤية الصحيحة والحكم على الواقع المتجدد من خلال منظور إسلامي، ذلك أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا يتحصل هـذا إلا بقراءة العسكرية الإسلامية، فالعقيدة العسكرية الإسلامية جزء من التصور الإسلامي والعقيدة الإسلامية بشكل عام، ويخطئ كل الخطأ من يظن، أو يلبس عليه، أنه بالإمكان أن [ ص: 15 ] يكون العسكري مسلما ويحارب بعقيدة عسكرية غير إسلامية. والواقع المهزوم دليل ذلك، وباستقراء التاريخ نرى أن المسلمين لما تخلوا عن تطبيق العقيدة العسكرية الإسلامية تخل عنهم النصر، ذلك أن دراسة العقيدة العسكرية الأجنبية والالتزام بمصطلحاتها وإهمال العقيدة الإسلامية يصيب الدارس بقدر من الهزيمة النفسية، يحطم معنوياته، ويلغي شخصيته، ويشعره دائما بعقدة التفوق لدى أعدائه.

                  لقد تحدث المفسرون والمحدثون والمؤرخون والفقهاء وكتاب السيرة في بعض الفصول عن السير والمغازي، وعرضوا فيها لغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه، لكنهم سجلوها كما وردت في الروايات دون أن تكون عند أكثرهم القدرة التخصصية على النظرة العسكرية، والخلوص إلى العبر، وإعادة ترتيب المعلومات على شكل يحقق العبرة للقارئ المسلم، والخبرة للعسكري المسلم، لكن حسبهم أنهم قدموا المعلومات بدقة وأمانة علمية ليأتي بعد ذلك الدارسون والمتخصصون بالعلوم العسكرية فيحسنون الاستفادة منها، وتسليط الأضواء عليها لتحصيل الفائدة لحاضر المسلمين ومستقبلهم.

                  لكن الأمر الذي يلفت النظر هـنا أن كثيرا من الدارسين والباحثين من المحدثين سقطوا في فخاخ الغزو الثقافي، وقرءوا المعارك الإسلامية بأبجدية غريبة عنها، وصبوها في القوالب التي صنعها الاستعمار أو ربائبه في الوطن الإسلامي، فأساءوا من حيث ظنوا أنهم يحسنون صنعا، وقد يكون مرد هـذا أن المستشرقين كانوا الأسبق إلى وضع المناهج وصب القوالب عندما أسلمنا أنفسنا لنوم عميق، ثم جئنا لنجدها جاهزة، وحالت هـزيمتنا النفسية دون فحصها واختبارها، وحسن الاستفادة منها، [ ص: 16 ]

                  ولسنا الآن بسبيل الكلام عن موقع الجهاد في حياة المسلمين، ومكانته في عقيدتهم، صحيح أن الإسلام دين دعوة ورحمة وانقياد، وليس دين قهر وسيف واستعباد، لكن لا بد من حماية لمناخ الدعوة وحرية نشرها، ورد كيد المعتدين عنها؛ وذلك بإيجاد وإعداد القوة التي ترهب المعتدين، وتقضي على أطماعهم، وتضمن السلم والأمن ( ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ، وقد يكون موقع الجهاد في الإسلام الذي شرع لتأديب المعتدين ونسخ حكم الطواغيت والمتألهين أقرب في صورته إلى تشريعات العقوبات في القوانين، التي لا بد منها للعابثين بالأمن المفسدين في الأرض، وحسبنا في الكلام عن موقع الجهاد من حياة المسلمين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية. ) ، وكيف أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وحكم الجهاد عندما تهاجم أرض من أراضي المسلمين، حيث يصبح الجهاد فرض عين على كل المسلمين؛ لقوله تعالى: ( انفروا خفافا وثقالا ) (التوبة:41) ، والجهود التي بذلها الاستعمار الثقافي وتلامذته لإقصاء المسلمين عن معاني الجهاد، فلذلك حديث آخر، وإنما الذي نريد له أن يكون واضحا ابتداء هـو أن حركة الجهاد في الإسلام ليست لونا من الغوغائية، ومواقف الحماس والخطابة، والمزايدات السياسية الفاقدة للبصر والبصيرة لأبعاد المعركة وقوة العدو، وتعاملا مع السنن الخارقة والمعجزات، وإنما هـو عقيدة راسخة، وبصيرة نافذة، وخطة محكمة، ودراية عسكرية، وحسن قراءة للظروف والإمكانات، وإعداد مادي متفوق، وانسجام مع السنن والقوانين التي شرعها الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقدرة على التحكم في سير المعركة ونتائجها، وتميز عن الرايات العمية. [ ص: 17 ]

                  هكذا كان الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم، كان عليه الصلاة والسلام يعمي أخباره عن أعدائه، وكان يعلن عن منطقة ويحارب في أخرى، ويستعمل التورية ، ويستطلع قوة العدو، ويتخير أفضل المواقع وأنسب الأوقات، حفر الخندق وقال لنعيم بن مسعود : إنما أنت فينا واحد، وإن الحرب خدعة، فخذل عنا ما استطعت. ، وكان ما كان مما هـو معروف في كتب السيرة والمغازي، فدم المسلم أكرم على الله من كل شيء في الوجود، والقائد المسلم الذي يفرط في الأرواح ليس قائدا ولا مسلما، وقد كان القادة المسلمون يحرصون أشد الحرص على أرواح المجاهدين، كانوا يستأثرون بالخطر ويؤثرون رجالهم بالأمن، وكانوا يتمتعون بإمكانات عسكرية عالية، وعقيدة عن الاستشهاد وثواب الشهيد سامية، كتبت لهم الفوز في معاركهم التي نفخر بها.

                  ونستطيع القول: إن المكتبة الإسلامية ما زالت فقيرة إلى الدراسات المنهجية المتخصصة للعسكرية الإسلامية في عصورها المختلفة، وإلى القراءة الإسلامية المتخصصة أيضا لمعارك العالم الإسلامي الحديثة إلى حد بعيد.

                  ومن هـنا تأتي ميزة هـذا الكتاب (العسكرية العربية الإسلامية) ، الذي نقدمه في سلسلة كتاب (الأمة) ، في فترة نحن أحوج ما نكون فيها للتعرف على تراثنا العسكري، وتلمس عوامل النصر لتجنب الهزيمة.

                  وتأتي ميزة الكاتب اللواء الركن محمود شيت خطاب ، الذي قدم للمكتبة الإسلامية نحو مائة وستة وعشرين كتابا وبحثا بجهوده الفردية في هـذا المجال، وذلك ما لم تستطع تقديمه كثير من المؤسسات والجامعات والجماعات. [ ص: 18 ]

                  لقد بدأ خطوة رائدة على طريق تدوين سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسير قادة الفتح الإسلامي من خلال تصور إسلامي واضح لعوامل النصر والهزيمة؛ المادية والمعنوية، وتخصص عسكري رفيع، ولغة عربية مطواعة.

                  اللواء الركن محمود شيت خطاب من العسكريين الذين نعتز بهم؛ لأنه أبى السقوط في تربية الاستعمار والتزام مناهجه.

                  تتميز كتاباته بأنها ليست كتابات تراثية فقط، يعيش فيها الماضي دون أن يكون قادرا على التعامل مع الواقع الحاضر، ومتابعة رحلة المستقبل من خلال رؤياه الإسلامية، لقد توقع الهجوم من يهود عام 1967م في ميقاته، وقبل أن يعلنوه، وقبل أن يفكر فيه من سيكونون حطب معاركه؛ لأنه يعلم الخصم، ويدرك مآربه.

                  كتب دراسات حديثة كثيرة حاول فيها أن يجاهد بقلمه دفاعا عن الأمة المسلمة، وتبصيرا لها، وتحت عنوان: (حرب أو لا حرب) قال ما نصه: (إن نفير إسرائيل سيكتمل يوم الخامس من يونيو سنة 1967م، فتكون إسرائيل جاهزة للحرب في هـذا اليوم، وستهاجم إسرائيل العرب في هـذا اليوم حتما... وقد صدقت الأحداث ما توقعته، ولست نبيا، ولكن الفن العسكري أصبح علما له قواعد وأسس، عليها استندت في كل ما كتبته من مقالات) .

                  والله نسأل أن يجزل مثوبته للمؤلف، وينفع به المسلمين في هـذه الفترة العصيبة من حياتهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد. [ ص: 19 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية