الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      علي

                                                                                      من كبار الأولياء ومات قبل والده .

                                                                                      روى عن : عبد العزيز بن أبي رواد ، وعباد بن منصور ، وجماعة .

                                                                                      حدث عنه : سفيان بن عيينة ، وأبوه ، وموسى بن أعين ، وجماعة ، حكايات ، وأحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي ، فرأيته وله حديث في سنن النسائي ، رواه لنا أحمد بن سلامة ، عن أبي الفضائل الكاغدي ، ومسعود الحمال ، قالا : أخبرنا أبو علي ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن [ ص: 443 ] حمزة ، ومحمد بن علي بن حبيش ، قالا : أخبرنا أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا علي بن فضيل ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : رأى رجل من الأنصار فيما يرى النائم أنه قيل له : بأي شيء يأمركم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قال : أمرنا أن نسبح ثلاثا وثلاثين ، ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين ، فذلك مائة . قال : فسبحوا خمسا وعشرين ، واحمدوا خمسا وعشرين ، وكبروا خمسا وعشرين ، وهللوا خمسا وعشرين . فتلك مائة . فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : افعلوا كما قال الأنصاري غريب من الأفراد . أخرجه النسائي عن أبي زرعة ، عن أحمد ، فوافقناه في شيخ شيخه . وعلي : صدوق ، قد قال فيه النسائي : ثقة مأمون .

                                                                                      قلت : خرج هو وأبوه من الضعف الغالب على الزهاد والصوفية ، وعدا في الثقات إجماعا . وكان علي قانتا لله خاشعا وجلا ربانيا كبير الشأن .

                                                                                      قال الخطيب : مات قبل أبيه بمدة من آية سمعها تقرأ ، فغشي عليه ، وتوفي في الحال .

                                                                                      قال إبراهيم بن الحارث العبادي : حدثنا عبد الرحمن بن عفان ، حدثنا أبو بكر بن عياش قال : صليت خلف فضيل بن عياض المغرب وابنه علي إلى جانبي ، فقرأ : ألهاكم التكاثر فلما قال : لترون الجحيم سقط [ ص: 444 ] علي على وجهه مغشيا عليه ، وبقي فضيل عند الآية . فقلت في نفسي : ويحك أما عندك من الخوف ما عند الفضيل وعلي ، فلم أزل أنتظر عليا ، فما أفاق إلى ثلث من الليل بقي . رواها ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عفان ، وزاد : وبقي فضيل لا يجاوز الآية ، ثم صلى بنا صلاة خائف ، وقال : فما أفاق إلى نصف من الليل . قال ابن أبي الدنيا : حدثني عبد الصمد بن يزيد ، عن فضيل بن عياض قال : بكى علي ابني . فقلت : يا بني ما يبكيك ؟ قال : أخاف ألا تجمعنا القيامة .

                                                                                      وقال لي ابن المبارك : يا أبا علي ما أحسن حال من انقطع إلى الله ، فسمع ذلك علي ابني ، فسقط مغشيا عليه .

                                                                                      مسدد بن قطن : حدثنا الدورقي ، وحدثنا محمد بن نوح المروزي ، حدثنا محمد بن ناجية قال : صليت خلف الفضيل ، فقرأ : " الحاقة " في الصبح . فلما بلغ إلى قوله : خذوه فغلوه غلبه البكاء فسقط ابنه علي مغشيا عليه ، وذكر الحكاية .

                                                                                      أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن عبد الرحيم بن محمد ، أخبرنا أبو علي المقرئ ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا أبو يعلى ، حدثنا عبد الصمد بن يزيد ، سمعت الفضيل يقول : أشرفت ليلة على علي ، وهو في صحن الدار ، وهو يقول : النار ، ومتى الخلاص من النار ؟ وقال لي : يا أبة سل الذي وهبني لك في الدنيا أن يهبني لك في الآخرة . ثم قال : لم يزل منكسر القلب حزينا . ثم بكى الفضيل ، ثم قال : كان يساعدني على الحزن والبكاء ، يا ثمرة [ ص: 445 ] قلبي ، شكر الله لك ما قد علمه فيك .

                                                                                      قال الدورقي : حدثني محمد بن شجاع ، عن سفيان بن عيينة قال : ما رأيت أحدا أخوف من الفضيل وابنه .

                                                                                      قال إبراهيم الحربي : حدثنا ابن أبي زياد ، عن شهاب بن عباد قال : كانوا يعودون علي بن الفضيل وهو يمشي فقال : لو ظننت أني أبقى إلى الظهر لشق علي .

                                                                                      وعن الفضيل قال : اللهم إني اجتهدت أن أؤدب عليا ، فلم أقدر على تأديبه ، فأدبه أنت لي .

                                                                                      قال أبو سليمان الداراني : كان علي بن الفضيل لا يستطيع أن يقرأ القارعة ولا تقرأ عليه .

                                                                                      الحسن بن عبد العزيز الجروي : حدثنا محمد بن أبي عثمان قال : كان علي بن الفضيل عند سفيان بن عيينة ، فحدث بحديث فيه ذكر النار ، فشهق علي شهقة ووقع ، فالتفت سفيان فقال : لو علمت أنك هاهنا ما حدثت به ، فما أفاق إلا بعد ما شاء الله . وبه ، قال الفضيل لابنه : لو أعنتنا على دهرنا ، فأخذ قفة ، ومضى إلى السوق ليحمل ، فأتاني رجل فأعلمني ، فمضيت فرددته وقلت : يا بني لست أريد هذا ، أو لم أرد هذا كله . [ ص: 446 ]

                                                                                      وبالإسناد عن فضيل ، أنهم اشتروا شعيرا بدينار -وكان الغلاء- فقالت أم علي للفضيل : قورته لكل إنسان قرصين ، فكان علي يأخذ واحدا ويتصدق بالآخر ، حتى كاد أن يصيبه الخواء .

                                                                                      وبه ، أن عليا كان يحمل على أباعر لأبيه ، فنقص الطعام الذي حمله ، فحبس عنه الكراء فأتى الفضيل إليهم ، فقال : أتفعلون هذا بعلي ، فقد كانت لنا شاة بالكوفة ، أكلت شيئا يسيرا من علف أمير ، فما شرب لها لبنا بعد . قالوا : لم نعلم -يا أبا علي - أنه ابنك .

                                                                                      حماد بن الحسن : حدثنا عمر بن بشر المكي ، عن الفضيل قال : أهدى لنا ابن المبارك شاة فكان ابني لا يشرب منها ، فقلت له في ذلك . فقال : إنها قد رعت بالعراق .

                                                                                      أنبأني المقداد القيسي ، أخبرنا أحمد بن الدبيقي ، أخبرنا أبو بكر الأنصاري ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا علي بن محمد المصري ، سمعت أبا سعيد الخراز ، سمعت إبراهيم بن بشار يقول : الآية التي مات فيها علي بن الفضيل ، في الأنعام : ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد مع هذا الموضع مات ، وكنت فيمن صلى عليه -رحمه الله .

                                                                                      أخبرنا عبد الحافظ بن بدران ، ويوسف بن أحمد ، قالا : أخبرنا موسى بن عبد القادر ، أخبرنا سعيد بن البناء ، أخبرنا علي بن أحمد ، أخبرنا أبو طاهر المخلص ، أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد ، حدثنا محمد بن زنبور المكي ، [ ص: 447 ] حدثنا فضيل بن عياض ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن جابر ، عن أم مبشر قالت : دخل علي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا في نخل لي . فقال : من غرس هذا النخل ، أمسلم أو كافر ؟ فقلت : مسلم . قال : إنه لا يغرس مسلم غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا سبع ولا طائر إلا كان له صدقة أخرجه مسلم .

                                                                                      قرأت على إسماعيل بن عميرة المعدل ، أخبركم أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه سنة ست عشرة وست مائة ، أخبرنا خطيب الموصل وتجني وشهدة قالوا : أخبرنا طراد بن محمد ، وقرأت على محمد بن عبد الوهاب الكاتب ، أخبرنا علي بن مختار ، أخبرنا أبو طاهر السلفي ، أخبرنا نصر بن أحمد ، قالا : أخبرنا هلال بن محمد الحفار ، أخبرنا الحسين بن يحيى القطان ، حدثنا أحمد بن المقدام العجلي ، حدثنا الفضيل بن عياض ، عن هشام ، عن الحسن : كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها قال : تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة ، فلما أكلتهم قيل لهم : عودوا ، فيعودون كما كانوا .

                                                                                      وبه : حدثنا الفضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس يعلم السر وأخفى قال : يعلم ما تسر في نفسك ويعلم ما تعمل غدا .

                                                                                      قال مجاهد بن موسى : مات الفضيل سنة ست وثمانين ومائة . [ ص: 448 ]

                                                                                      وقال أبو عبيد ، وابن المديني ، وابن معين ، وابن نمير ، والبخاري ، وآخرون : مات سنة سبع بمكة . زاد بعضهم في أول المحرم وقال هشام بن عمار : يوم عاشوراء منها .

                                                                                      قلت : وله نيف وثمانون سنة ، وهو حجة كبير القدر . ولا عبرة بما نقله أحمد بن أبي خيثمة ، سمعت قطبة بن العلاء يقول : تركت حديث فضيل بن عياض ، لأنه روى أحاديث أزرى على عثمان بن عفان .

                                                                                      قلت : فلا نسمع قول قطبة ، ليته اشتغل بحاله ، فقد قال البخاري : فيه نظر ، وقال النسائي وغيره : ضعيف . وأيضا فالرجل صاحب سنة واتباع .

                                                                                      قال أحمد بن أبي خيثمة : حدثنا عبد الصمد بن يزيد الصائغ ، قال : ذكر عند الفضيل -وأنا أسمع- الصحابة فقال : اتبعوا فقد كفيتم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم .

                                                                                      قلت : إذا كان مثل كبراء السابقين الأولين قد تكلم فيهم الروافض والخوارج ، ومثل الفضيل يتكلم فيه ، فمن الذي يسلم من ألسنة الناس ، لكن إذا ثبت إمامة الرجل وفضله لم يضره ما قيل فيه ، وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزن بالعدل والورع .

                                                                                      وأما قول ابن مهدي : لم يكن بالحافظ ، فمعناه : لم يكن في علم الحديث كهؤلاء الحفاظ البحور ، كشعبة ، ومالك وسفيان ، وحماد ، وابن المبارك ، ونظرائهم ، لكنه ثبت قيم بما نقل ، ما أخذ عليه في حديث فيما علمت . وهل يراد من العلم إلا ما انتهى إليه الفضيل -رحمة الله عليه ؟ .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية