الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما جا أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود

عطف لما جاء أمرنا هنا وفي قوله في قصة عاد ولما جاء أمرنا نجينا هودا بالواو فيهما وعطف نظيراهما في قصة ثمود فلما جاء أمرنا نجينا صالحا وفي قصة قوم لوط فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها لأن قصتي ثمود وقوم لوط كان فيهما تعيين أجل العذاب الذي توعد به النبيئان [ ص: 154 ] قومهما ؛ ففي قصة ثمود فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ، وفي قصة قوم لوط إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ؛ فكان المقام مقتضيا ترقب السامع لما حل بهم عند ذلك الموعد فكان الموقع للفاء لتفريع ما حل بهم على الوعيد به . وليس في قصة عاد وقصة مدين تعيين لموعد العذاب ولكن الوعيد فيهما مجمل من قوله : ويستخلف ربي قوما غيركم ، وقوله : وارتقبوا إني معكم رقيب .

وتقدم القول في معنى جاء أمرنا إلى قوله : ألا بعدا لمدين في قصة ثمود . وتقدم الكلام على بعدا في قصة نوح في قوله : وقيل بعدا للقوم الظالمين .

وأما قوله : كما بعدت ثمود فهو تشبيه البعد الذي هو انقراض مدين بانقراض ثمود . ووجه الشبه التماثل في سبب عقابهم بالاستئصال ، وهو عذاب الصيحة ، ويجوز أن يكون المقصود من التشبيه الاستطراد بذم ثمود لأنهم كانوا أشد جرأة في مناوأة رسل الله ، فلما تهيأ المقام لاختتام الكلام في قصص الأمم البائدة ناسب أن يعاد ذكر أشدها كفرا وعنادا فشبه هلك مدين بهلكهم .

والاستطراد فن من البديع . ومنه قول حسان في الاستطراد بالهجاء بالحارث أخي أبي جهل :


إن كنت كاذبة الذي حدثـتـنـي فنجوت منجى الحارث بن هشام     ترك الأحبة أن يقاتـل دونـهـم
ونجا برأس طمـرة ولـجـام



التالي السابق


الخدمات العلمية