الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ( 143 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "مذبذبين" ، مرددين .

وأصل "التذبذب" ، التحرك والاضطراب ، كما قال النابغة :


ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب



وإنما عنى الله بذلك : أن المنافقين متحيرون في دينهم ، لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحة ، فهم لا مع المؤمنين على بصيرة ، ولا مع المشركين على جهالة ، ولكنهم حيارى بين ذلك ، فمثلهم المثل الذي ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي : - [ ص: 333 ]

10728 - حدثنا به محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة ، لا تدري أيهما تتبع!

10729 - وحدثنا به محمد بن المثنى مرة أخرى ، عن عبد الوهاب ، فوقفه على ابن عمر ، ولم يرفعه قال : حدثنا عبد الوهاب مرتين كذلك .

10730 - حدثني عمران بن بكار قال : حدثنا أبو روح قال : حدثنا ابن عياش قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 334 ]

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

10731 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " ، يقول : ليسوا بمشركين فيظهروا الشرك ، وليسوا بمؤمنين .

10732 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " ، يقول : ليسوا بمؤمنين مخلصين ، ولا مشركين مصرحين بالشرك . قال : وذكر لنا أن نبي الله عليه السلام كان يضرب مثلا للمؤمن والمنافق والكافر ، كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر ، فوقع المؤمن فقطع ، ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر : أن هلم إلي ، فإني أخشى عليك! وناداه المؤمن : أن هلم إلي ، فإن عندي وعندي! يحصي له ما عنده . فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى عليه آذي فغرقه . وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة ، حتى أتى عليه الموت وهو كذلك . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين ، رأت غنما على نشز [ ص: 335 ] فأتتها فلم تعرف ، ثم رأت غنما على نشز فأتتها وشامتها فلم تعرف .

10733 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " مذبذبين " ، قال : المنافقون .

10734 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " ، يقول : لا إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا إلى هؤلاء اليهود .

10735 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " مذبذبين بين ذلك " ، قال : لم يخلصوا الإيمان فيكونوا مع المؤمنين ، وليسوا مع أهل الشرك .

10736 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " مذبذبين بين ذلك " ، بين الإسلام والكفر "لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " .

وأما قوله : " ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " ، فإنه يعني : من يخذله الله عن طريق الرشاد ، وذلك هو الإسلام الذي دعا الله إليه عباده . يقول : من يخذله الله عنه فلم يوفقه له "فلن تجد له" ، يا محمد "سبيلا" ، يعني : طريقا يسلكه إلى الحق غيره . وأي سبيل يكون له إلى الحق غير الإسلام ؟ وقد أخبر الله جل ثناؤه : أنه من يبتغ غيره دينا فلن يقبل منه ، ومن أضله الله عنه فقد غوى فلا هادي له غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية