الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ( 146 ) )

قال أبو جعفر : وهذا استثناء من الله جل ثناؤه ، استثنى التائبين من نفاقهم إذا أصلحوا ، وأخلصوا الدين لله وحده ، وتبرءوا من الآلهة والأنداد ، وصدقوا رسوله ، أن يكونوا مع المصرين على نفاقهم حتى توافيهم مناياهم - في الآخرة ، وأن يدخلوا مداخلهم من جهنم . بل وعدهم جل ثناؤه أن يحلهم مع المؤمنين محل الكرامة ، ويسكنهم معهم مساكنهم في الجنة . ووعدهم من الجزاء على توبتهم الجزيل من العطاء فقال : " وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما " .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية : "إلا الذين تابوا" ، أي : راجعوا الحق ، وأبوا إلا الإقرار بوحدانية الله وتصديق رسوله وما جاء به من عند ربه من نفاقهم "وأصلحوا" ، يعني : وأصلحوا أعمالهم ، فعملوا بما أمرهم الله به ، وأدوا فرائضه ، وانتهوا عما نهاهم عنه ، وانزجروا عن معاصيه "واعتصموا بالله" ، يقول : وتمسكوا بعهد الله .

[ ص: 341 ]

وقد دللنا فيما مضى قبل على أن"الاعتصام" التمسك والتعلق . فالاعتصام بالله : التمسك بعهده وميثاقه الذي عهد في كتابه إلى خلقه ، من طاعته وترك معصيته .

" وأخلصوا دينهم لله " ، يقول : وأخلصوا طاعتهم وأعمالهم التي يعملونها لله ، فأرادوه بها ، ولم يعملوها رئاء الناس ، ولا على شك منهم في دينهم ، وامتراء منهم في أن الله محص عليهم ما عملوا ، فمجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ولكنهم عملوها على يقين منهم في ثواب المحسن على إحسانه ، وجزاء المسيء على إساءته ، أو يتفضل عليه ربه فيعفو متقربين بها إلى الله ، مريدين بها وجه الله . فذلك معنى : "إخلاصهم لله دينهم" .

ثم قال جل ثناؤه : " فأولئك مع المؤمنين " ، يقول : فهؤلاء الذين وصف صفتهم من المنافقين بعد توبتهم وإصلاحهم واعتصامهم بالله وإخلاصهم دينهم أي : مع المؤمنين في الجنة ، لا مع المنافقين الذين ماتوا على نفاقهم ، الذين أوعدهم الدرك الأسفل من النار .

ثم قال : " وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما " ، يقول : وسوف يعطي الله هؤلاء الذين هذه صفتهم ، على توبتهم وإصلاحهم واعتصامهم بالله وإخلاصهم دينهم له ، وعلى إيمانهم ، ثوابا عظيما وذلك : درجات في الجنة ، كما أعطى الذين ماتوا على النفاق منازل في النار ، وهي السفلى منها . لأن الله جل ثناؤه وعد عباده المؤمنين أن يؤتيهم على إيمانهم ذلك ، كما أوعد المنافقين على نفاقهم [ ص: 342 ] ما ذكر في كتابه .

وهذا القول هو معنى قول حذيفة بن اليمان ، الذي : -

10747 - حدثنا به ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : قال حذيفة : ليدخلن الجنة قوم كانوا منافقين! فقال عبد الله : وما علمك بذلك ؟ فغضب حذيفة ، ثم قام فتنحى . فلما تفرقوا ، مر به علقمة فدعاه فقال : أما إن صاحبك يعلم الذي قلت! ثم قرأ : " إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما " .

التالي السابق


الخدمات العلمية