الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس أبو إسحاق الكوفي قاضي بغداد بعد ابن سماعة سمع يعلى بن عبيد وغيره ، وحدث عنه ابن أبي الدنيا وغيره . توفي عن ثلاث وتسعين سنة ، وكان ثقة فاضلا دينا صالحا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 626 ] أحمد بن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو سعيد الخراز أحد مشاهير الصوفية بالعبادة والمجاهدة والورع والمراقبة ، وله تصانيف في ذلك ، وله كرامات وأحوال وصبر على الشدائد وضيق الحال . وروى عن إبراهيم بن بشار صاحب إبراهيم بن أدهم وغيره ، وعنه علي بن محمد المصري وجماعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن جيد كلامه قوله - رحمه الله - : إذا بكت أعين الخائفين ، فقد كاتبوا الله بدموعهم . وقوله : العافية تستر البر والفاجر ، فإذا جاءت البلوى تبين عندها الرجال . وقوله : كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل . وقوله : الاشتغال بوقت ماض تضييع وقت حاضر . وقوله : ذنوب المقربين حسنات الأبرار . وقال : الرضا قبل القضاء تفويض ، والرضا مع القضاء تسليم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى البيهقي بسنده إليه أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : جبلت القلوب على حب من أحسن إليها . فقال : يا عجبا لمن لم ير محسنا غير الله ، كيف لا يميل إليه بكليته ؟ ! قلت : وهذا الحديث ليس بصحيح ، ولكن كلامه عليه أحسن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 627 ] وقال ابنه سعيد : طلبت من أبي دانق فضة ، فقال : يا بني ، اصبر فلو أحب أبوك أن يركب الملوك إلى بابه ما تأبوا عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الحافظ ابن عساكر عنه قال : أصابني مرة جوع شديد فهممت أن أسأل الله طعاما ، فقلت : هذا ينافي التوكل ، فهممت أن أسأله صبرا ، فهتف بي هاتف يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويزعم أنه منا قريب وأنا لا نضيع من أتانا     ويسألنا القرى جهدا وصبرا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأنا لا نراه ولا يرانا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فقمت ومشيت فراسخ بلا زاد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو سعيد الخراز : المحب يتعلل إلى محبوبه بكل شيء ، ولا يتسلى عنه بشيء ، يتبع آثاره ، ولا يدع استخباره ، ثم أنشد :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أسائلكم عنها فهل من مخبر     فما لي بنعمى بعد مكتنا علم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلو كنت أدري أين خيم أهلها     وأي بلاد الله إذ ظعنوا أموا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا لسلكنا مسلك الريح خلفها     ولو أصبحت نعمى ومن دونها النجم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت وفاته في هذه السنة . وقيل : في سنة سبع وأربعين . وقيل : في سنة ست وثمانين . والأول أصح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 628 ] عيسى بن عبد الله بن سنان بن دلويه بن موسى الطيالسي الحافظ ، يلقب : زغاث ، سمع عفان وأبا نعيم ، وعنه أبو بكر الشافعي وغير واحد ، ووثقه الدارقطني . كانت وفاته في شوال من هذه السنة عن أربع وثمانين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو حاتم الرازي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو حاتم الحنظلي الرازي ، أحد أئمة الحفاظ الأثبات العارفين بعلل الحديث والجرح والتعديل ، وهو قرين أبي زرعة ، الرازي ، تغمدهما الله برحمته ، سمع الكثير وطاف الأقطار والأمصار ، وروى عن خلق من الكبار ، وحدث عنه الربيع بن سليمان ويونس بن عبد الأعلى ، وهما أكبر منه ، وقدم بغداد فحدث بها ، وروى عنه من أهلها إبراهيم الحربي وابن أبي الدنيا ، والمحاملي وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال لابنه عبد الرحمن : يا بني ، مشيت على قدمي في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ . وذكر أنه لم يكن له شيء ينفق عليه في بعض الأحيان ، وأنه مكث ثلاثا لا يأكل شيئا حتى استقرض من بعض أصحابه نصف دينار . وقد أثنى عليه غير واحد من العلماء والفقهاء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 629 ] وكان يتحدى من حضر عنده من الحفاظ وغيرهم ، ويقول : من أغرب علي بحديث واحد صحيح فله علي درهم أتصدق به . قال : ومرادي أن أسمع ما ليس عندي ، فلم يأت أحد بشيء من ذلك . وكان في جملة من حضر ذلك أبو زرعة الرازي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كانت وفاة أبي حاتم في شعبان من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن الحسين بن موسى بن الحسن أبو جعفر الكوفي الخزاز المعروف بالحنيني ، له مسند كبير ، روى عن عبيد الله بن موسى ، والقعنبي ، وأبي نعيم ، وغيرهم ، وعنه ابن صاعد والمحاملي وابن السماك ، وكان ثقة صدوقا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن سعدان أبو جعفر البزاز ، سمع من أكثر من خمسمائة شيخ ، ولكن لم يحدث إلا باليسير ، وتوفي في شعبان منها . قال ابن الجوزي : وثم محمد بن سعدان البزاز ، عن القعنبي ، وهو غير مشهور ، ومحمد بن سعدان النحوي مشهور . توفي في سنة إحدى وثلاثين ومائتين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 630 ] قال ابن الأثير في " كامله " : وتوفي فيها يعقوب بن سفيان بن جوان الإمام الفسوي ، وكان يتشيع . ويعقوب بن يوسف بن معقل الأموي مولاهم ، والد أبي العباس أحمد الأصم . عريب المغنية المأمونية ، قيل : إنها ابنة جعفر بن يحيى البرمكي . فأما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يعقوب بن سفيان بن جوان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فهو أبو يوسف بن أبي معاوية الفارسي الفسوي ، سمع الحديث الكثير ، وروى عن أكثر من ألف شيخ من الثقات ; منهم هشام بن عمار ، ودحيم ، وأبو الجماهر ، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيون ، وسعيد بن منصور ، وأبو عاصم ، ومكي بن إبراهيم ، وسليمان بن حرب ، ومحمد بن كثير ، وعبيد الله بن موسى ، والقعنبي . وروى عنه النسائي في سننه ، وأبو بكر بن أبي داود ، والحسن بن سفيان ، وابن خراش ، وابن خزيمة وأبو عوانة الإسفراييني وخلق سواهم ، وصنف كتاب " التاريخ والمعرفة " ، وغيره من الكتب المفيدة النافعة ، وقد رحل في طلب الحديث إلى البلدان النائية ، وتغرب عن وطنه في ذلك نحو ثلاثين سنة ، وقد روى ابن عساكر عنه أنه قال : كنت أكتب في الليل على ضوء السراج في زمن الرحلة ، فبينا أنا ذات ليلة إذ وقع شيء على بصري فلم أبصر معه السراج ، فجعلت أبكي [ ص: 631 ] على ما فاتني من ذهاب بصري ، وما يفوتني بسبب ذلك من كتابة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أنا فيه من الغربة ، ثم غلبتني عيني فنمت ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام . فقال : ما لك ؟ فشكوت إليه ما أنا فيه من الغربة ، وما فاتني من كتابة السنة . فقال : " ادن مني " فدنوت منه ، فوضع يده على عيني ، وجعل كأنه يقرأ شيئا من القرآن ، ثم استيقظت فأبصرت وجلست أسبح الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أثنى عليه أبو زرعة الدمشقي ، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري وقال : هو إمام أهل الحديث بفارس ، وقدم نيسابور وسمع منه مشايخنا ، وقد نسبه بعضهم إلى التشيع . وذكر ابن عساكر أن يعقوب بن الليث صاحب فارس بلغه عنه أنه يتكلم في عثمان بن عفان فأمر بإحضاره ، فقال له وزيره : أيها الأمير ، إنه لا يتكلم في شيخنا عثمان بن عفان السجزي ، إنما يتكلم في عثمان بن عفان الصحابي . فقال : دعوه ما لي وللصحابة ، إني إنما حسبته يتكلم في شيخنا عثمان بن عفان السجزي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وما أظن هذا صحيحا عن يعقوب بن سفيان ، فإنه إمام محدث كبير القدر ، وقد كانت وفاته قبل أبي حاتم بشهر في رجب من هذه السنة بالبصرة ، رحمه الله ، وقد رآه بعضهم في المنام فقال : ما فعل بك ربك ؟ فقال : غفر لي [ ص: 632 ] وأمرني أن أملي الحديث في السماء كما كنت أمليه في الأرض ، فجلست للإملاء في السماء الرابعة وجلس حولي جماعة من الملائكة ; منهم جبريل يكتبون ما أمليه من الحديث بأقلام الذهب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما عريب المأمونية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقد ترجمها الحافظ ابن عساكر في " تاريخه " وحكى قولا لبعضهم أنها ابنة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي ، سرقت وهي صغيرة عند ذهاب دولة البرامكة ، وبيعت فاشتراها المأمون ابن الرشيد ، ثم روى عن حماد بن إسحاق ، عن أبيه ، أنه قال : ما رأيت امرأة قط أحسن وجها ، وأدبا وغناء وضربا وشعرا ولعبا بالشطرنج والنرد منها ، وما تشاء أن تجد خصلة حسنة طريفة بارعة في امرأة إلا وجدتها فيها . وقد كانت شاعرة مطبقة فصيحة بليغة ، وكان المأمون يتعشقها ، ثم أحبها بعده المعتصم ، وكانت هي تتعشق لرجل يقال له : محمد بن حامد ، وربما أدخلته إليها في دار الخلافة ، قبحها الله ، على ما ذكره ابن عساكر عنها في " تاريخه " ، ثم تعشقت صالحا المنذري ، وتزوجته سرا ، وكانت تقول فيه الشعر ، وربما غنته بين يدي المتوكل وهو لا يشعر فيمن هو ، فتضحك جواريه من ذلك فتقول : يا سحاقات ، هذا خير من عملكن . وقد أورد ابن عساكر شيئا كثيرا من شعرها ، فمن ذلك قولها لما [ ص: 633 ] دخلت على المتوكل تعوده من حمى أصابته فقالت :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أتوني فقالوا بالخليفة علة     فقلت ونار الشوق توقد في صدري
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا ليت بي حمى الخليفة جعفر     فكانت بي الحمى وكان له أجري
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كفى حزنا إن قيل حم فلم أمت     من الحزن إني بعد هذا لذو صبر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جعلت فداء للخليفة جعفر     وذاك قليل للخليفة من شكر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما عوفي دخلت عليه فغنته من قيلها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شكرا لأنعم من عافاك من سقم     دمت المعافى من الآلام والسقم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عادت بنورك للأيام بهجتها     واهتز نبت رياض الجود والكرم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما قام للدين بعد المصطفى ملك     أعف منك ولا أرعى على الذمم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فعمر الله فينا جعفرا ونفى     بنور سنته عنا دجى الظلم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولها في عافيته أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حمدنا الذي عافى الخليفة جعفرا     على رغم أشياخ الضلالة والكفر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما كان إلا مثل بدر أصابه     كسوف قليل ثم أجلى عن البدر [ ص: 634 ]
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سلامته للدين عز وقوة     وعلته للدين قاصمة الظهر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مرضت فأمرضت البرية كلها     وأظلمت الأمصار من شدة النعر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما استبان الناس منك إفاقة     أفاقوا وكانوا كالنيام على الجمر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سلامة دنيانا سلامة جعفر     فدام معافى سالما آخر الدهر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إمام يعم الناس بالفضل والتقى     قريبا من التقوى بعيدا من الوزر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولها من الأشعار الرائقة الفائقة شيء كثير ، وفيما ذكرنا كفاية ، والله الموفق للصواب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عساكر : بلغني أن مولدها في سنة إحدى وثمانين ومائة ، وتوفيت سنة سبع وسبعين ومائتين بسر من رأى ، ولها ست وتسعون سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية