الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1392 - مسألة : والقول في هلاك الوديعة أو في ردها إلى صاحبها ، أو في دفعها إلى من أمره صاحبها بدفعها إليه : قول الذي أودعت عنده مع يمينه ، سواء دفعت إليه ببينة أو بغير بينة ; لأن ماله محرم كما ذكرنا فهو مدعى عليه وجوب غرامة ، وقد { حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن اليمين على من ادعي عليه } . وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          وههنا خلاف في مواضع - : منها أن مالكا فرق بين الثقة وغير الثقة ، فرأى أن لا يمين على الثقة ، وهذا خطأ ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أوجب اليمين على من ادعي عليه لم يفرق بين ثقة وغير ثقة ، والمالكيون موافقون لنا في أن نصرانيا ، أو يهوديا ، أو فاسقا من المسلمين - معلنا للفسق - يدعي دينا على صاحب من الصحابة رضي الله عنهم ولا بينة له : وجبت اليمين على الصاحب ، ولا فرق بين دعوى جحد الدين ، وبين دعوى جحد الوديعة أو تضييعها ، والمقرض مؤتمن على ما أقرض ، وعلى ما عومل فيه ، كما أن المودع مؤتمن ولا فرق ، وفرق أيضا بين الوديعة تدفع ببينة وبينها إذا دفعت بغير بينة ، فرأى إيجاب الضمان فيها إذا دفعت ببينة - وهذا لا معنى له ; لأنه لم يأت بالفرق بين ذلك : قرآن ، ولا سنة ، والأيمان لا تسقط ، والغرامة لا تجب ، إلا حيث أوجبها الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم : أو حيث أسقطها الله تعالى ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم . وفرق قوم بين قول المودع : هلكت الوديعة ، فصدقوه : إما ببينة وإما بغير بينة ، وبين قوله : قد صرفتها إليك - : فألزموه الضمان ، وكذلك في قوله : أمرتني بدفعها إلى فلان - فضمنوه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا خطأ ; لأنه لم يأت بالفرق بين ذلك : قرآن ، ولا سنة - والوجه في هذا هو أن كل ما قاله المودع ، مما يسقط به عن نفسه الغرامة ، ولا تخرج عين الوديعة عن ملك المودع : فالقول قوله مع يمينه ; لأن ماله محرم ، إلا بقرآن أو سنة ، سواء [ ص: 139 ] كانت الوديعة معروفة للمودع ببينة ، أو بعلم الحاكم أو لم تكن ، ولا فرق بين شيء مما فرقوا بينه بآرائهم الفاسدة .

                                                                                                                                                                                          وأما إذا ادعى المودع شيئا ينقل به الوديعة عن ملك المودع إلى ملك غيره فإنه ينظر ، فإن كانت الوديعة لا تعرف للمودع إلا بقول المودع ، فالقول أيضا قول المودع مع يمينه في كل ما ذكر له من أمره إياه ببيعها ، أو الصدقة بها ، أو بهبتها ، أو أنه وهبها له وسائر الوجوه ولا فرق ; لأنه لم يقر له بشيء في ماله ، ولا بشيء في ذمته ، لا بدين ولا بتعد ، ولا قامت له عليه بينة بحق ولا بتعد ، وماله محرم على غيره .

                                                                                                                                                                                          وأما إن كانت الوديعة معروفة العين للمودع ببينة ، أو بعلم الحاكم فإن المودع مدع نقل ملك المودع عنها ، فلا يصدق إلا ببينة ، وقد أقر حينئذ في مال غيره بما قد منع الله تعالى منه إذ يقول : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } فهو ضامن - وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية