الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن عروة عن عائشة قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب فقالت إني أريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني قال النسائي لا أعلم أحدا أسنده عن الزهري غير معمر ) وقال الأصيلي لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح، وهذا غلط فاحش من الأصيلي وقال الشافعي بعد أن رواه مرسلا " لو ثبت لم أعده إلى غيره " وقد ثبت ولله الحمد.

                                                            فالشافعي قائل به وزاد مسلم في رواية من حديث ابن عباس فأدركت وزاد النسائي فإن لك على ربك ما استثنيت ولابن خزيمة والبيهقي من حديث ضباعة قلت يا رسول الله إني أريد الحج فكيف أهل بالحج ؟ قال قولي: اللهم إني أهل بالحج إن أذنت لي به وأعنتني عليه ويسرته لي، وإن حبستني فعمرة، وإن حبستني عنهما جميعا فمحلي حيث حبستني للترمذي وصححه والنسائي .

                                                            عن ابن عمر أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول: أليس حسبكم سنة نبيكم ؟ زاد النسائي (أنه لم يشترط) ولم يذكر البخاري أوله وقال: أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ؛ ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث الثاني)

                                                            عن عروة عن عائشة قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت إني أريد الحج وأنا شاكية ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم حجي [ ص: 165 ] واشترطي أن محلي حيث حبستني (فيه) فوائد:

                                                            (الأولى) أخرجه مسلم والنسائي من هذا الوجه من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة وأخرجاه أيضا من رواية عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرجه البخاري ومسلم من رواية أبي أسامة حماد بن أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة ورواه ابن ماجه من رواية محمد بن فضيل ووكيع كلاهما عن هشام عن أبيه عن ضباعة ورواه الشافعي عن ابن عيينة عن هشام عن أبيه مرسلا وقال لو ثبت حديث عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستثناء لم أعده إلى غيره، لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيهقي أما حديث ابن عيينة فقد رواه عنه عبد الجبار بن العلاء موصولا بذكر عائشة فيه، وثبت وصله أيضا من جهة أبي أسامة حماد بن أسامة أخرجه البخاري ومسلم وثبت عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أخرجه مسلم وعن عطاء وسعيد بن جبير وطاوس وعكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مخرج في صحيح مسلم انتهى وأخرج حديث ابن عباس أيضا أصحاب السنن الأربعة ورواه ابن حبان في صحيحه والدارقطني من رواية عبيد بن عمر عن القاسم بن محمد عن [ ص: 166 ] عائشة وقال ابن حزم قد صح وبالغ في الصحة فهو قوله وفي الباب أيضا عن أسماء بنت أبي بكر أو سعدى بنت عوف رواه ابن ماجه على الشك هكذا وجابر ، رواه البيهقي وقال ابن حزم في المحلى بعد ذكر هذه الأحاديث سوى حديث أسماء أو سعدى فهذه آثار متظاهرة متواترة لا يسع أحدا الخروج عنها وقال النسائي لا أعلم أحدا أسنده عن الزهري غير معمر وقال في موضع آخر لم يسنده عن معمر غير عبد الرزاق فيما أعلم وأشار القاضي عياض إلى تضعيف الحديث فإنه قال قال الأصيلي لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح، وقال قال النسائي قال لا أعلم أسنده عن الزهري غير معمر .

                                                            قال النووي في شرح مسلم وهذا الذي عرض به القاضي وقاله الأصيلي من تضعيف الحديث غلط فاحش جدا نبهت عليه لئلا يغتر به: لأن هذا الحديث مشهور في صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وسائر كتب الحديث المعتمدة من طرق متعددة بأسانيد كثيرة عن جماعة من الصحابة وفيما ذكره مسلم من تنويع طرقه أبلغ كفاية وقال والدي رحمه الله في شرح [ ص: 167 ] الترمذي والنسائي لم يقل بانفراد معمر به مطلقا بل بانفراده به عن الزهري ولا يلزم من الانفراد المقيد، الانفراد المطلق، فقد أسنده معمر وأبو أسامة وسفيان بن عيينة عن هشام عن أبيه عن عائشة وأسنده القاسم عنها ولو انفرد به معمر مطلقا لم يضره وكم في الصحيحين من الانفراد ولا يضر إرسال الشافعي له فالحكم لمن وصل، هذا معنى كلامه.

                                                            (الثانية) ضباعة بضم الضاد المعجمة بعدها باء موحدة مخففة وبعد الألف عين مهملة بنت الزبير بن عبد المطلب بن هاشم هي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله في رواية ابن ماجه من حديث أسماء أو سعدى دخل على ضباعة بنت عبد المطلب فهو وهم لا يتأول بما قاله والدي رحمه الله في شرح الترمذي من أنه نسبة إلى جدها كقوله عليه الصلاة والسلام أنا ابن عبد المطلب : لأنه عقب ذلك بقوله فقال: ما يمنعك يا عمتاه من الحج ؛ فدل على أنه بنى على أنها بنت عبد المطلب حقيقة حتى تكون عمته عليه الصلاة والسلام، وهو وهم قال الزبير بن بكار وليس للزبير بقية إلا من بنتيه أم الحكم وضباعة انتهى وكانت تحت المقداد بن الأسود كما هو مصرح به في رواية الصحيحين وبسبب ذلك أورد البخاري هذا الحديث في كتاب النكاح في باب (الأكفاء في الدين) يشير إلى تزوجها بالمقداد وليس كفؤا لها من حيث النسب فإنه كندي وليس كندة أكفاء لقريش فضلا عن بني هاشم عند من يعتبر الكفاءة في النسب من العلماء، وإنما هو كفؤ لها في الدين فقط ووقع في كلام إمام الحرمين والغزالي أنها ضباعة الأسلمية وهو غلط فاحش كما قال النووي وغيره والصواب الهاشمية وليس في الصحابة أخرى يقال لها ضباعة الأسلمية ولكنهما وهما في نسبتها، نعم في الصحابة أخرى تسمى ضباعة بنت الحارث أنصارية وهي أخت أم عطية



                                                            (الثالثة) دخوله عليه الصلاة والسلام على ضباعة عيادة أو زيارة وصلة فإنها قريبته كما تقدم وفيه بيان تواضعه وصلته وتفقده صلى الله عليه وسلم وهو محمول على أن الخلوة هناك كانت منتفية فإنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يخلو بالأجنبيات ولا يصافحهن وإن كان لو فعل ذلك لم يلزم منه مفسدة لعصمته، لكنهم لم يعدوا ذلك من [ ص: 168 ] خصائصه فهو في ذلك كغيره في التحريم.

                                                            (الرابعة) قولها فقالت إني أريد الحج قد يقتضي ظاهره أنها قالت له ذلك ابتداء وفي صحيح البخاري لعلك أردت الحج وفي صحيح مسلم من ذلك الوجه أردت الحج ولا منافاة فقد تكون إنما قالت إنما أريد الحج في جواب استفهامه لها وليس اللفظ صريحا في أنها قالت ذلك ابتداء وكذا قوله في رواية ابن ماجه من حديث ضباعة " أنه عليه الصلاة والسلام قال لها أما تريدين الحج العام " ومن رواية أسماء أو سعدى ما يمنعك من الحج كل ذلك يقتضي أن كلامها كان جوابا لسؤاله لكن في حديث ابن عباس عن مسلم وأصحاب السنن الأربعة أن ضباعة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت وهذا قد ينافي قوله في حديث عائشة دخل على ضباعة وقد يجمع بينهما بأنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن إذ ذاك في منزله ثم جاء فدخل عليها وهي في منزله وفي حديث ابن عباس عن أبي داود والترمذي أنها قالت له فأشترط، فقال لها نعم وهذا يقتضي أن أمره بالاشتراط ما كان إلا بعد استئذانها



                                                            (الخامسة) قولها وأنا شاكية بالشين المعجمة أي مريضة والشكوى والشكو المرض.

                                                            (السادسة) قوله محلي بكسر الحاء أي موضع حلولي أو وقت حلولي والمحل يقع على المكان والزمان.

                                                            وقوله (حبستني) أي منعتني من السير بسبب ثقل المرض ويجوز في قوله أن الفتح وهو الظاهر المروي والكسر على أن يكون المعنى قولي هذا اللفظ وهو إن محلي حيث حبستني.

                                                            (السابعة) فيه أنه عليه الصلاة والسلام أمرها أن تشترط في إحرامها التحلل عند المرض وقد اختلف العلماء في هذا الأمر هل هو على سبيل الإباحة أو الاستحباب أو الإيجاب وهذه الأقوال متفقة على الاشتراط في الجملة ومنهم من أنكره لعدم صحة الحديث عنده كما تقدم أو لتأويله كما سيأتي وحاصل هذا الخلاف أقوال:

                                                            (أحدها) جوازه وهو المشهور من مذهب الشافعي فإنه نص عليه في القديم وعلق القول به في الجديد على صحته وقد صح كما تقدم ولذلك قطع الشيخ أبو حامد بصحته وأجرى غيره فيه قولين في الجديد أظهرهما الصحة، وروى ابن أبي شيبة فعله عن علي وعلقمة والأسود وشريح وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث [ ص: 169 ] والأمر به عن عائشة وعبد الله بن مسعود وعن عثمان أنه رأى رجلا واقفا بعرفة فقال له أشارطت ؟ فقال نعم ، وعن الحسن وعطاء في المحرم قالا له شرطه وروى البيهقي الأمر به عن أم سلمة وقال ابن المنذر ممن روينا عنه أنه رأى الاشتراط عند الإحرام عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وهو مذهب عبيدة السلماني والأسود بن يزيد وعلقمة وشريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعكرمة وعطاء بن يسار وأحمد وإسحاق وأبي ثور وبه قال الشافعي إذ هو بالعراق ثم وقف عنه بمصر وبالأول أقول وحكاه ابن حزم عن جمهور الصحابة وحكاه والدي رحمه الله في شرح الترمذي عن جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

                                                            (الثاني) استحبابه وهو مذهب أحمد فإن ابن قدامة جزم به في المغني وهو المفهوم من قول الخرقي والمجد بن تيمية في مختصريهما عند ذكر الإحرام ويشترط أي المحرم إن لم يفهم منه الوجوب.

                                                            (الثالث) إيجابه ذهب إليه ابن حزم الظاهري تمسكا بالأمر.

                                                            (الرابع) إنكاره وهذا مذهب الحنفية والمالكية وروى ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة قال كان أبي لا يرى الاشتراط في الحج شيئا.

                                                            وعن إبراهيم النخعي : كانوا لا يشترطون ولا يرون الشرط شيئا وعن طاوس والحكم وحماد الاشتراط في الحج ليس بشيء وعن سعيد بن جبير إنما الاشتراط في الحج فيما بين الناس وعنه أيضا المستثنى وغير المستثنى سواء، وعن إبراهيم التيمي كان علقمة يشترط في الحج ولا يراه شيئا، وروى الترمذي وصححه والنسائي عن ابن عمر أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ؟ زاد النسائي في روايته أنه لم يشترط أي النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح البخاري بدون أوله ولفظه أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا وحكى ابن المنذر إنكاره عن الزهري أيضا وحكاه ابن عبد البر عن سفيان الثوري وحكاه المحب الطبري عن أحمد وهو غلط فالمعروف عنه ما قدمته قال ابن قدامة وعن أبي حنيفة [ ص: 170 ] أن الاشتراط يفيد سقوط الدم فأما التحلل فهو ثابت عنده بكل إحصار وقال ابن حزم روينا عن إبراهيم كانوا يستحبون أن يشترطوا عند الإحرام وكانوا لا يرون الشرط شيئا لو أن الرجل ابتلي، وروينا عنه كانوا يكرهون أن يشترطوا في الحج قال ابن حزم هذا تناقض مرة كانوا يستحبون ومرة كانوا يكرهون فأقل ما في هذا ترك رواية إبراهيم لاضطرابها.

                                                            (الثانية) فمن قال بالجواز تمسك بهذا الحديث ورأى أن الأمر به ترخيص وتوسعة وتخفيف ورفق وأنه يتعلق بمصلحة دنيوية وهي ما يحصل لها من المشقة بمصابرة الإحرام مع المرض، ومن قال بالاستحباب رأى المصلحة فيه دينية وهو الاحتياط للعبادة فإنها بتقدير عدمه قد يعرض لها مرض يشعث العبادة ويوقع فيها الخلل وهذا بعيد، ومن قال بالوجوب حمل الأمر على حقيقته وهو أبعد من الذي قبله ولو كان واجبا لما أخل النبي صلى الله عليه وسلم بفعله ولا الصحابة رضي الله عنهم ولو فعلوا ذلك في حجة النبي صلى الله عليه وسلم لنقل وقد صرح ابن عمر بأنه لم يشترط كما تقدم ذكره ولما لم يأمر به إلا هذه المرأة الواحدة بعد شكايتها له، علمنا أن ذلك ترخيص حرك ذكره هذا السبب وهو شكواها ومن قال بالإنكار منهم من ضعف الحديث كما تقدم ذكره ورده، ومنهم من أوله وفي تأويله أوجه:

                                                            (أحدها) أنه خاص بضباعة حكاه الخطابي عن بعضهم قال وقال يشبه أن يكون بها مرض أو حال كان غالب ظنها أنه يعوقها عن إتمام الحج وهذا كما أذن لأصحابه في رفض الحج وليس ذلك لغيرهم وقال النووي في شرح مسلم بعد ذكره هذا المذهب وحملوا الحديث على أنها قضية عين وأنه مخصوص بضباعة وحكاه في شرح المهذب عن الروياني من أصحابنا ثم قال وهذا تأويل باطل ومخالف لنص الشافعي فأنه إنما قال لو صح الحديث لم أعده ولم يتأوله ولم يخصه.

                                                            (الثاني) أن معناه محلي حيث حبستني بالموت أي إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي حكاه النووي في شرح المهذب عن إمام الحرمين ثم قال وهذا تأويل ظاهر الفساد وعجبت من جلالة الإمام كيف قاله.

                                                            (الثالث) أن المراد التحلل بعمرة لا مطلقا حكاه المحب الطبري عن بعضهم ويرده حديث ضباعة الذي سنذكره في الفائدة الخامسة [ ص: 171 ] عشرة فإن فيه التصريح بالتحلل المطلق عن الحج والعمرة معا وحكى ابن حزم عن بعضهم أن هذا الحديث مخالف لقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ولقوله تعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي وعن بعضهم أنه مخالف لقوله عليه الصلاة والسلام كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وعن بعضهم أن هذا الخبر رواه عروة وعطاء وسعيد بن جبير وطاوس وروي عنهم خلافه، ثم قال ابن حزم سمعناكم تعتلون بهذا في الصاحب فعديتموه إلى التابع وإن درجتموه بلغ إلينا وإلى من بعدنا فصار كل من بلغه حديث فتركه حجة في رده ولئن خالف هؤلاء ما رووا فقد رواه غيرهم ولم يخالفه وأطنب ابن حزم في رد هذه المقالات وهي حقيقة بذلك والله أعلم والظن بمن يعتمد عليه ممن خالف هذا الحديث أنه لم يبلغه قال البيهقي عندي أن ابن عمر لو بلغه حديث ضباعة في الاشتراط لم ينكره كما لم ينكره أبوه



                                                            (التاسعة) قد يستدل به على أن المشترط لذلك يحل بمجرد المرض والعجز ولا يحتاج إلى إحلال وقد قال أصحابنا الشافعية إن اشترط التحلل بذلك فلا يحل إلا بالتحلل وإن قال إذا مرضت فأنا حلال فهل يحتاج في هذه الصورة إلى تحلل أو يصير حلالا بنفس المرض ؟ فيه لأصحابنا وجهان ؛ الذي نص عليه الشافعي أنه يصير حلالا بنفس المرض ودلالة الحديث محتملة فإن قوله فإن محلي يحتمل أن يكون معناه موضع حلي ويحتمل أن يكون معناه موضع إحلالي



                                                            (العاشرة) الحديث ورد في الحج، والعمرة في معناه، فلو أحرم بعمرة فشرط التحلل منها عند المرض كان كذلك ولا خلاف في هذا بين المجوزين للاشتراط فيما أعلم ولعل العمرة داخلة في قوله في رواية النسائي من حديث ابن عباس فإن لك على ربك ما استثنيت وقد عزى ابن قدامة في المغني هذا الحديث لمسلم وفيه هذه الزيادة وليست عند مسلم



                                                            (الحادية عشرة) المراد بالتحلل أن يصير نفسه حلالا فلو شرط أن يقلب حجه عمرة عند المرض فذكر أصحابنا أنه أولى بالصحة من شرط التحلل ونص عليه الشافعي وإذا جاز إبطال العبادة للعجز فنقلها إلى عبادة أخرى أولى بالجواز.

                                                            (الثانية عشرة) سبب [ ص: 172 ] الحديث إنما هو في التحلل بالمرض لكن قوله (حبستني) يصدق بالحبس بالمرض وبغيره من الأعذار كذهاب النفقة وفراغها وضلال الطريق والخطأ في العدد وقد صرح الشافعية والحنابلة بأن هذه الأعذار كالمرض في جواز شرط التحلل بها ومن الشافعية من خالف فيه



                                                            (الثالثة عشرة) ظاهر الحديث أنه لا يجب عليه عند التحلل بالشرط دم إذ لو وجب لذكره، فإنه وقت الاحتياج إليه وبهذا صرح الحنابلة والظاهرية وهو الأصح عند الشافعية ومحل الخلاف عندهم في حالة الإطلاق فلو شرط التحلل بالهدي لزمه قطعا وإن شرطه بلا هدي لم يلزمه قطعا



                                                            (الرابعة عشرة) ذكر الحنابلة أن هذا الشرط يؤثر في إسقاط الدم فيما إذا حبسه عدو وقال الشافعية لا يسقط دم الإحصار بهذا الشرط لأن التحلل بالإحصار جائز بلا شرط فشرطه لاغ ومن أصحابنا من حكى فيه خلافا



                                                            (الخامسة عشرة) روى ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في سننه من رواية يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ضباعة قالت قلت يا رسول الله إني أريد الحج فكيف أهل بالحج ؟ قال قولي اللهم إني أهل بالحج إن أذنت لي به وأعنتني عليه ويسرته لي، وإن حبستني فعمرة وإن حبستني عنهما جميعا فمحلي حيث حبستني وهذه زيادة حسنة يجب الأخذ بها، ويقال ينبغي أن لا يجوز للحاج شرط التحلل منه مطلقا إلا مع العجز عنه وعن العمرة فمع القدرة على العمرة لا ينتقل للتحلل المطلق وقد تقدم كلام أصحابنا فيما لو شرط قلب الحج عمرة عند المرض والكلام الآن في وجوب ذلك



                                                            (السادسة عشرة) استدل به الجمهور على أنه لا يجوز التحلل بالإحصار بالمرض من غير شرط إذ لو جاز التحلل به لم يكن لاشتراطه معنى



                                                            (السابعة عشرة) ظاهر الحديث أنه لا قضاء عند التحلل بالمرض بالشرط وبه صرح أصحابنا وغيرهم ويعود فيه قول من قال بوجوب القضاء عند الإطلاق على ما تقدم بيانه



                                                            (الثامنة عشرة) المفهوم من لفظ الشرط أنه لا بد من مقارنته للإحرام فإنه متى سبقه أو تأخر عنه لم يكن شرطا وقد صرح بذلك في قوله في حديث ابن عباس اشترطي عند إحرامك وهو بهذا اللفظ في مصنف ابن أبي شيبة وقد صرح بهذا الماوردي وغيره كما [ ص: 173 ] نقله النووي في شرح المهذب وكذا قال ابن قدامة الحنبلي في المغني يستحب أن يشترط عند إحرامه انتهى وهو واضح



                                                            (التاسعة عشرة) ظاهر الحديث أنه لا بد من التلفظ بهذا الاشتراط كغيره من الشروط وهو ظاهر كلام أصحابنا الشافعية وذكر فيه ابن قدامة الحنبلي احتمالين :

                                                            (أحدهما) هذا قال ويدل عليه ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس قولي محلي من الأرض حيث تحبسني (قلت) وكذا في حديث عائشة في الصحيحين وقولي اللهم محلي حيث حبستني (والثاني) أنه تكفي فيه النية ووجهه بأنه تابع لعقد الإحرام والإحرام ينعقد بالنية.

                                                            (العشرون) قد يتشوف لحال ضباعة هل حبسها المرض أم لا ، وقد جاء في رواية لمسلم في حديث ابن عباس فأدركت ومعناه أنها أدركت الحج ولم تتحلل حتى فرغت منه



                                                            (الحادية والعشرون) قد يفهم منه أنه يتعين في الاشتراط اللفظ المذكور في الحديث وليس كذلك بل كل ما يؤدي معناه يقوم مقامه في ذلك قال ابن قدامة وغير هذا اللفظ مما يؤدي معناه يقوم مقامه لأن المقصود المعنى والعبارة إنما تعتبر لتأدية المعنى ثم استشهد بقول علقمة اللهم إني أريد العمرة إن تيسرت وإلا فلا حرج علي.

                                                            وبقول شريح (اللهم قد عرفت نيتي وما أريد فإن كان أمرا تتمه فهو أحب إلي وإلا فلا حرج علي) ونحوه عن الأسود وقالت عائشة لعروة قل (اللهم إني أريد الحج وإياه نويت فإن تيسر وإلا فعمرة) ونحوه عن عميرة بن زياد .

                                                            (الثانية والعشرون) في قوله محلي حيث حبستني أن المحصر يحل حيث يحبس ، وهناك ينحر هديه ولو كان في الحل وبه قال الشافعي وأحمد ، وقال أبو حنيفة : لا ينحره إلا في الحرم ، وقد تقدم ذكر هذا في الحديث الذي قبله .

                                                            (الثالثة والعشرون) خرج بقوله حيث حبستني ما إذا شرط التحلل بلا عذر بأن قال في إحرامه (متى شئت) أو (كسلت) خرجت وهذا لا عبرة به بالاتفاق وممن نقل الاتفاق فيه الروياني




                                                            الخدمات العلمية