الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        808 [ ص: 71 ] ( 31 ) باب ما جاء فيمن أحصر بعدو

                                                                                                                        770 - قال مالك : من حبس بعدو فحال بينه وبين البيت ، فإنه يحل [ ص: 72 ] [ ص: 73 ] [ ص: 74 ] [ ص: 75 ] [ ص: 76 ] من كل شيء . وينحر هديه ، ويحلق رأسه حيث حبس . وليس عليه قضاء .

                                                                                                                        مالك ; أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حل هو وأصحابه بالحديبية ، فنحروا الهدي . وحلقوا رءوسهم . وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت . وقبل أن يصل إليه الهدي . ثم لم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أحدا من أصحابه ، ولا ممن كان معه ، أن يقضوا شيئا يعودوا لشيء .

                                                                                                                        771 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أنه قال ، حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة : إن صددت عن البيت ، صنعنا كما صنعنا - مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم . فأهل بعمرة ، من أجل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل بعمرة ، عام الحديبية . ثم إن عبد الله نظر في أمره فقال : ما أمرهما إلا واحد . ثم التفت إلى أصحابه فقال : ما أمرهما إلا واحد . أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة . ثم نفذ حتى جاء البيت . فطاف طوافا واحدا . ورأى ذلك مجزيا عنه [ ص: 77 ] وأهدى .

                                                                                                                        16834 - قال مالك : فهذا الأمر عندنا . فيمن أحصر بعدو . كما أحصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . فأما من أحصر بغير عدو فإنه لا يحل دون البيت .

                                                                                                                        [ ص: 78 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 78 ] 16835 - قال أبو عمر : الإحصار عند أهل العلم منها المحصر بعدو ، وبالسلطان الجائر ، ومنها بالمرض .

                                                                                                                        16836 - وأصل الأسر في اللغة : الحبس ، والمنع .

                                                                                                                        16837 - قال الخليل ، وغيره : حصرت الرجل حصرا : منعته وحبسته .

                                                                                                                        16838 - قال : وأحصر الرجل عن بلوغ مكة والمناسك من مرض أو نحوه .

                                                                                                                        16839 - هكذا قالوا ، جعلوا الأول ثلاثيا من حصرت ، والثاني رباعيا من أحصرت في المرض .

                                                                                                                        16840 - وعلى هذا خرج قول ابن عباس : " لا حصر إلا حصر العدو " ، ولم يقل إلا إحصار العدو .

                                                                                                                        16841 - وقال جماعة من أهل اللغة : قال : أحصر من عدو ، ومن المرض جميعا ، وقالوا : حصر ، وأحصر . بمعنى واحد في المرض والعدو ، ومعنى أحصر : حبس . 1684 - واحتج من قال هذا من الفقهاء بقول الله ، عز وجل : فإن أحصرتم . . . [ البقرة : 196 ] ، وإنما نزلت هذه الآية في الحديبية ، وكان حبسهم ومنعهم يومئذ بالعدو .

                                                                                                                        16843 - قال أبو عمر : أما قول مالك فيمن أحصر بعدو أنه يحل من [ ص: 79 ] إحرامه ولا هدي عليه ولا قضاء ، إلا أنه إن كان ساق هديا نحره ، فقد وافقه الشافعي على أنه حل في الموضع الذي حيل فيه بينه وبين الوصول إلى البيت ، وأنه لا قضاء عليه إلا أن يكون صرورة ; فلا يسقط ذلك عنه فرض الحج .

                                                                                                                        16844 - وخالفه في وجوب الهدي عليه ، فقال الشافعي : عليه الهدي ينحره [ ص: 80 ] في المكان الذي حبس فيه ، ويحل وينصرف .

                                                                                                                        16845 - وهو قول مالك في المحصر بعدو أنه ينحر هديه حيث حصر في الحرم وغيره ، إلا أنه إن لم يسق هديا لم يوجب عليه هديا .

                                                                                                                        16846 - وعند الشافعي لا بد له من الهدي ، فإذا نحره في موضعه حل .

                                                                                                                        16847 - وهو قول أشهب .

                                                                                                                        16848 - واتفق مالك والشافعي أن المحصر بعدو " ينحر هديه حيث حبس ، وصد ، ومنع في الحل كان أو في الحرم .

                                                                                                                        16849 - وخالفهما أبو حنيفة وأهل الكوفة ، وسنذكره بعد .

                                                                                                                        16850 - واختلف في نحر رسول الله يوم الحديبية ، هل كان في الحل أو الحرم ؟ .

                                                                                                                        16851 - فكان عطاء يقول : لم ينحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هديه يوم الحديبية إلا في الحرم .

                                                                                                                        16851 - وهو قول ابن إسحاق .

                                                                                                                        16852 - وقال غيره من أصحاب المغازي وغيرهم : لم ينحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هديه يوم الحديبية إلا في الحل .

                                                                                                                        16853 - وهو قول الشافعي . واحتج بقول الله - عز وجل : هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله [ الفتح : 25 ] .

                                                                                                                        16854 - وذكر يعقوب بن سفيان الفسوي ، قال ابن أبي أويس ، عن مجمع [ ص: 81 ] بن يعقوب ، عن أبيه ، قال : لما حبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه نحروا بالحديبية وحلقوا ، فبعث الله تعالى ريحا عاصفا ; فحملت شعورهم فألقتها في الحرم .

                                                                                                                        16855 - وهذا يبين أنهم حلقوا بالحل .

                                                                                                                        16856 - قال أبو عمر : قوله - عز وجل - في يوم الحديبية : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ، [ البقرة : 196 ] يعني تنحروا ، ومحله هذا نحره .

                                                                                                                        16857 - وأما قوله له في البدن : ثم محلها إلى البيت العتيق [ 11 الحج : 33 ] فهذا لمن لم يمنع من دخول مكة ومكة كلها ومنى مسجد لمن قدر على الوصول إليها ، وليس البيت بموضع النحر .

                                                                                                                        16858 - وقال أبو حنيفة : على المحصر أن يقدم الهدي ، ولا يجوز له أن ينحره إلا في الحرم .

                                                                                                                        [ ص: 82 ] 16859 - وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، وأكثر أهل العراق : الإحصار بالمرض ، والإحصار بعدو سواء . وتبيين مذهبهم في ذلك في الباب بعد هذا إن شاء الله .

                                                                                                                        16860 - وقال مالك ، والشافعي : لا حصر إلا حصر العدو .

                                                                                                                        16861 - وهو قول ابن عباس .

                                                                                                                        16862 - يريدون أن حصر العدو لا يشبهه حصر المرض ولا غيره ; لأنه من حصر بالعدو خاصة يحل في موضعه على ما وصفنا دون الوصول إلى البيت ، والمحصر بمرض لا يحله إلا الطواف والسعي بين الصفا والمروة .

                                                                                                                        16863 - ولا قضاء عند مالك والشافعي على المحصر بعدو إذا فاته ما دخل فيه ، بخلاف من فاته الحج وبخلاف المريض . إلا أن يكون صرورة ولم يحج حجة الإسلام ؟ فإن كان كذلك لم يجزه ذلك من حجة الإسلام .

                                                                                                                        16864 - وجملة قول أبي حنيفة في المحصر بعدو أو مرض أنهما عنده سواء ، ينحر كل واحد منهما هديه في الحرم ، ويحل يوم النحر إن شاء ، وعليه حجة وعمرة .

                                                                                                                        16865 - وهو قول الطبري .

                                                                                                                        16866 - وقال أبو يوسف ومحمد : ليس ذلك له ، ولا يتحلل دون يوم النحر .

                                                                                                                        [ ص: 83 ] 16867 - وهو قول الثوري ، والحسن بن صالح .

                                                                                                                        16868 - واختلفوا فيمن حصره العدو بمكة ، فقال مالك : يتحلل بعمل عمرة كما لو حصره العدو في الحل ، إلا أن يكون مكيا فيخرج إلى الحل ثم يتحلل بعمرة .

                                                                                                                        16869 - وقد قال مالك : أهل مكة في ذلك كأهل الآفاق .

                                                                                                                        16870 - قال الشافعي : الإحصار بعدو بمكة وغيرها سواء ; ينحر هديه ويحل مكانه .

                                                                                                                        16871 - وقال أبو حنيفة : إذا أتى مكة محرما بالحج فلا يكون محصرا .

                                                                                                                        16872 - وقال مالك : من وقف بعرفة فليس بمحصر ، ويقيم على إحرامه حتى يطوف بالبيت ويهدي .

                                                                                                                        16873 - وهو قول أبي حنيفة .

                                                                                                                        16874 - وقال الشافعي : يكون محصرا .

                                                                                                                        16875 - وهو قول الحسن بن حي .

                                                                                                                        16876 - وللشافعي فيها قول آخر كقول مالك سواء .

                                                                                                                        16877 - وأما حديث ابن عمر في هذا الباب ففيه من الفقه معان كثيرة ، منها : 16878 - إباحة الإهلال والدخول في الإحرام على أنه إن سلم نفذ ، وإن منعه مانع صنع ما يجب له في ذلك ، وسنذكر مسألة الاشتراط في الحج عند الإحرام به .

                                                                                                                        [ ص: 84 ] في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .

                                                                                                                        16879 - وفيه ركوب الطريق في الخوف ، وهذا إذا كان الأغلب فيه سلامة المهجة ، لأن ابن عمر لم يخف في الفتنة إلا منع الوصول إلى البيت خاصة دون القتل ، لأنهم لم يكونوا في فتنتهم يقتلون من لا يقاتلهم .

                                                                                                                        16880 - وأما قوله : ( ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة - وقد كان أحرم بعمرة - ففيه جواز إدخال الحج على العمرة . وقد مضى القول " في ذلك في موضعه من هذا الكتاب .

                                                                                                                        16881 - وقد ذكرنا هناك ما للعلماء في إدخال الحج على العمرة ، وإدخال العمرة على الحج ، وفي إدخال الحج على الحج وفي إدخال العمرة على العمرة .

                                                                                                                        16882 - وجمهور العلماء مجمعون على أنه إذا أدخل الحج على العمرة في أشهر الحج قبل الطواف بالبيت أنه جائز ; ويكون قارنا ، ويلزمه ما يلزم من أهل بهما معا .

                                                                                                                        16883 - وقالت طائفة من أصحاب مالك : له أن يدخل الحج على العمرة وإن أكمل الطواف بالبيت ما لم يسع بين الصفا والمروة .

                                                                                                                        16884 - وقال بعضهم : له أن يدخل الحج على العمرة وأن يسعى بعد الطواف ما لم يركع ركعتي الطواف .

                                                                                                                        [ ص: 85 ] 16885 - وهذا شذوذ لا نظر فيه ، ولا سلف له .

                                                                                                                        16886 - وقال أشهب : متى طاف لعمرته شوطا واحدا لم يكن له إدخال الحج عليها .

                                                                                                                        16887 - وهذا هو الصواب إن شاء الله .



                                                                                                                        16888 - واختلف الفقهاء أيضا فيمن أدخل الحج على العمرة بعد أن أخذ في الطواف .

                                                                                                                        96889 - فقال مالك : من أدخل الحج على العمرة بعد أن يفتتح الطواف لزمه ، وصار قارنا .

                                                                                                                        16890 - وروي ذلك عن أبي حنيفة . والمشهور عنه أن ذلك لا يجوز إلا قبل الأخذ بالطواف .

                                                                                                                        16891 - وقال الشافعي : لا يكون قارنا .

                                                                                                                        16892 - وذكر أن ذلك قول عطاء .

                                                                                                                        16893 - وبه قال أبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                        16894 - وأما قوله في حديث ابن عمر : " ثم نفذ حتى جاء البيت فطاف به طوافا واحدا ورأى أن ذلك مجزيا عنه ، وأهدى " ففيه حجة لمالك في قوله أن طواف الدخول إذا وصل بالسعي يجزي عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلا أو لسنة ولم يؤده حتى رجع إلى بلده . وعليه الهدي ، ولا أعلم أحدا قاله غير مالك ومن اتبعه من أصحابه ، والله أعلم .

                                                                                                                        16895 - على أن تحصيل مذهبه ، عند أكثر أصحابه أنه لا يجزئ عن طواف [ ص: 86 ] الإفاضة إلا ما كان من الوقوف لعرفة قبل الجمرة أو بعدها .

                                                                                                                        16896 - وهو قول إسماعيل ومن بعده من البغداديين من المالكيين .

                                                                                                                        16897 - وقال أبو الفرج : هو الذي لا يجوز غيره . وأنكر رواية المصريين عن مالك .

                                                                                                                        16898 - وجمهور العلماء على أن طواف القدوم يجزئ عن طواف الإفاضة ، لأن طواف قبل عرفة ساقط عن المكي ، وعن المراهق .

                                                                                                                        16899 - وهم مجمعون على أن طواف الإفاضة الذي يجزي عن طواف القدوم إذا وصل بالسعي بين الصفا والمروة للناسي والجاهل إذا رجع إلى بلده ، وعليه دم . فإن كان مراهقا أو مكيا فلا دم عليه ولا شيء . وهذا ما لا خلاف فيه عن مالك وغيره .

                                                                                                                        16900 - وهذا يدلك من قول مالك ومن قول الجمهور على أن الطواف المفترض في الحج طواف واحد لا غير وما سواه سنة . إلا أن حكم طواف الإفاضة وسنته أن يكون يوم النحر مما بعده إلى آخر أيام التشريق .

                                                                                                                        16901 - وفيما ذكرنا أيضا عن ابن عمر حجة لمالك والشافعي وأكثر أهل الحجاز في أن القارن يجزئه طواف واحد لحجه وعمرته .

                                                                                                                        16902 - وسنذكر اختلاف العلماء في ذلك عند ذكر حديث عائشة وقولها [ ص: 87 ] فيه : " وأما الذين أهلوا بالحج أو جمعوا الحج مع العمرة فإنما طافوا طوافا واحدا " في موضعه من هذا الكتاب .

                                                                                                                        16903 - وقال القعنبي في حديث ابن عمر في هذا الباب : " ورأى أن ذلك مجزيا عنه وأهدى شاة " ، ولم يقله في " الموطأ " يحيى ، ولا ابن القاسم ؟ ولا أبو المصعب .

                                                                                                                        16904 - واختلف الفقهاء فيما على القارن من الهدي أو الصيام ، فروي عن ابن عمر أن القارن أو المتمتع على كل واحد منهما هدي بدنة أو بقرة . وكان يقول فما استيسر من الهدي [ البقرة : 19 ] بدنة أو بقرة : يريد بدنة دون بدنه أو بقرة من بقره ، وهذا من مذهبه مشهور معلوم محفوظ ، وهو يريد رواية القعنبي في حديث ابن عمر هذا ، ويشهد بأنه وهم في قوله ( وأهدى شاة ) .

                                                                                                                        16905 - إلا أن جمهور العلماء قالوا في معنى قول الله ، عز وجل : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي [ البقرة : 196 ] قالوا : شاة .

                                                                                                                        [ ص: 88 ] 16906 - روي ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن عباس وغيرهم ، وعليه جماعة أهل الفتوى بالأمصار .

                                                                                                                        16907 - وكان مالك يقول في القارن إن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ، وهو والمتمتع في ذلك سواء .

                                                                                                                        16908 - وقال الشافعي : يجزئ القارن في ذلك شاة قياسا على المتمتع ، قال : وهو أخف شأنا من المتمتع .

                                                                                                                        16909 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : يجزئه شاة ، والبقرة أفضل ، ولا يجزئه عندهم إلا الدم عن المعسر ، وغيره في ذلك عندهم سواء ، قياسا على من جاوز الميقات غير محرم ، وهو يريد الحج ، أو رمي الجمار حتى مضت أيامها أن عليه دما ولا يجزئه منه صيام .

                                                                                                                        16910 - قال أبو عمر : قياس القارن على المتمتع أولى ، وأقرب ، وأصوب من قياسه على من جاوز الميقات ، أو ترك رمي الجمار ; لأن المعنى الموجب للذم على المتمتع هو موجود في القارن ، وهو سقوط السعي عنه لحجه أو لعمرته من بلده .

                                                                                                                        16911 - واحتج من أوجب القضاء على المحصر بعدو بما أخبرنا به عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا [ ص: 89 ] النفيلي ، قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أبي ميمون بن مهران ، قال : خرجت معتمرا عام حاصر ابن الزبير أهل الشام بمكة وبعث معي رجالا من قومي بهدي ، فلما انتهيت إلى أهل الشام منعوني أن أدخل الحرم ، فنحرت الهدي مكاني ثم حللت ، ثم رجعت ، فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي ، فأتيت ابن عباس ، فسألته ؟ فقال : أبدل الهدي فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروه عام الحديبية في عمرة القضاء .

                                                                                                                        16912 - قوله : " خرجت العام المقبل لأقضي عمرتي " ، ليس فيه قول غير قوله ، والخبر عن نفسه لا عن ابن عباس ، وليس في قوله حجة وابن عباس ، إنما قال له : أبدل الهدي .

                                                                                                                        16913 - وذلك حجة للشافعي وأشهب في إيجابهما الهدي على المحصر دون القضاء .

                                                                                                                        16914 - واحتج أيضا من قال بإيجاب القضاء على المحصر بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اعتمروا في العام المقبل من عام الحديبية قضاء لتلك العمرة قالوا : ولذلك قيل لها عمرة القضاء .

                                                                                                                        16915 - واستدلوا بحديث الحجاج بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من كسر أو عرج فقد حل ، وعليه حجة أخرى وعمرة " .

                                                                                                                        [ ص: 90 ] 16916 - قالوا : وكذلك كل ممنوع محبوس ، ممنوع من الوصول إلى البيت بعدو أو بغير عدو ، يحل وعليه حجة أخرى إن كان حاجا أو عمرة إن كان معتمرا .

                                                                                                                        16917 - ومن زعم أن المحصر بعدو ينحر هديه ويحلق رأسه قد حل بفعله ذلك من كل شيء ، ولا شيء عليه ، احتج بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل لواحد منهم [ ص: 91 ] في العام المقبل : إن هذه العمرة لي ولكم قضاء عن العمرة التي صددنا عنها وحصرنا .

                                                                                                                        16918 - ومعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاضى عام الحديبية قريشا على أن يحج في العام المقبل .

                                                                                                                        16919 - وقولهم عمرة القضاء ، وعمرة القضية سواء إن شاء الله ، وبالله التوفيق لا شريك له .

                                                                                                                        16920 - ولا أعلم خلافا فيمن حصره العدو أنه إذا غلب عليه رجاؤه في الوصول إلى البيت وأدرك الحج أنه يقيم على إحرامه حتى ييأس ، فإذا يئس حل عند مالك والشافعي وأبي ثور ، وإن كان معه هدي نحر وقصر ورجع ولا قضاء عليه إلا أن يكون صرورة .

                                                                                                                        16921 - وخالفهم العراقيون فأوجبوا عليه القضاء .

                                                                                                                        16922 - وهو قول مجاهد ، وعكرمة ، وإبراهيم ، والشعبي .




                                                                                                                        الخدمات العلمية