الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 169 ) فصل : ولا يسن تكرار مسح الرأس في الصحيح من المذهب . وهو قول أبي حنيفة ومالك وروي ذلك عن ابن عمر وابنه سالم والنخعي ومجاهد وطلحة بن مصرف والحكم قال الترمذي : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم . وعن أحمد أنه يسن تكراره . ويحتمله كلام الخرقي ; لقوله الثلاث أفضل . وهو مذهب الشافعي وروي عن أنس ، قال ابن عبد البر : كلهم يقول : مسح الرأس مسحة واحدة .

                                                                                                                                            وقال الشافعي : يمسح برأسه ثلاثا ; لأن أبا داود روى عن شقيق بن سلمة ، قال : { رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثا ، ومسح برأسه ثلاثا . ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا . } وروي مثل ذلك عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى عثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وأبو مالك ، والربيع ، وأبي بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { توضأ ثلاثا ثلاثا . } وفي حديث أبي ، قال : { هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي } . رواه ابن ماجه .

                                                                                                                                            ولأن الرأس أصل في الطهارة ، فسن تكرارها فيه كالوجه . ولنا { أن عبد الله بن زيد وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ومسح برأسه مرة واحدة } . متفق عليه . وروي عن { علي رضي الله عنه أنه توضأ ومسح برأسه مرة واحدة وقال : هذا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من أحب أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا . } قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

                                                                                                                                            { وكذلك وصف عبد الله بن أبي أوفى ، وابن عباس ، وسلمة بن الأكوع ، والربيع ، كلهم ، قالوا : ومسح برأسه مرة واحدة . } وحكايتهم لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم إخبار عن الدوام ، ولا يداوم إلا على الأفضل الأكمل ، وحديث ابن عباس حكاية وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل حال خلوته ، ولا يفعل في تلك الحال إلا الأفضل ; ولأنه مسح في طهارة ، فلم يسن تكراره ، كالمسح في التيمم ، والمسح على الجبيرة ، وسائر المسح ، ولم يصح من أحاديثهم شيء صريح .

                                                                                                                                            قال أبو داود : أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة ; فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا ، وقالوا فيها : ومسح برأسه . ولم يذكروا عددا ، كما ذكروا في غيره ، والحديث الذي ذكر فيه : مسح رأسه ثلاثا . رواه يحيى بن آدم ، وخالفه وكيع ، فقال : توضأ ثلاثا . فقط . والصحيح عن عثمان أنه { توضأ ثلاثا ثلاثا ، ومسح رأسه ولم يذكر عددا . } هكذا رواه البخاري ومسلم . قال أبو داود : وهو الصحيح . ومن روي عنه ذلك سوى عثمان ، فلم يصح ، فإنهم الذين رووا أحاديثنا وهي صحاح ، فيلزم من ذلك ضعف ما خالفها

                                                                                                                                            ، والأحاديث التي ذكروا فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا . أرادوا بها ما سوى المسح ; فإن رواتها حين فصلوا قالوا : ومسح برأسه مرة واحدة .

                                                                                                                                            والتفصيل يحكم به على الإجمال ، ويكون تفسيرا له ، ولا يعارض به ، كالخاص مع العام ، وقياسهم منقوض بالتيمم . فإن قيل يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح مرة ليبين الجواز ، ومسح ثلاثا ثلاثا ليبين الأفضل ، كما فعل في الغسل ، فنقل الأمران نقلا صحيحا من غير تعارض بين الروايات .

                                                                                                                                            قلنا : قول الراوي : هذا طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنه طهوره على الدوام ; ولأن الصحابة ، رضي الله عنهم ، إنما ذكروا صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعريف سائلهم ومن حضرهم كيفية وضوئه في دوامه ، فلو شاهدوا وضوءه على صفة أخرى لم يطلقوا هذا الإطلاق الذي يفهم منه أنهم لم يشاهدوا غيره ; [ ص: 89 ] لأن ذلك يكون تدليسا وإيهاما بغير الصواب ، فلا يظن ذلك بهم ، وتعين حمل حال الراوي لغير الصحيح على الغلط لا غير ; ولأن الرواة إذا رووا حديثا واحدا عن شخص واحد ، فاتفق الحفاظ منهم على صفة ، وخالفهم فيها واحد ، حكموا عليه بالغلط ، وإن كان ثقة حافظا ، فكيف إذا لم يكن معروفا بذلك ،

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية