الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الباب الثالث : في حكم الإجماع

              وحكمه وجوب الاتباع وتحريم المخالفة والامتناع عن كل ما ينسب الأمة إلى تضييع الحق ، والنظر فيما هو خرق ومخالفة وما ليس بمخالفة ، يتهذب برسم مسائل :

              مسألة : إذا اجتمعت الأمة في المسألة على قولين ،

              كحكمهم مثلا في الجارية المشتراة إذا وطئها المشتري ثم وجد بها عيبا فقد ذهب بعضهم إلى أنها ترد مع العقر ، وذهب بعضهم إلى منع الرد . فلو اتفقوا على هذين المذهبين كان المصير إلى الرد مجانا خرقا للإجماع عند الجماهير إلا عند شذوذ من أهل الظاهر والشافعي إنما ذهب إلى الرد مجانا ; لأن الصحابة بجملتهم لم يخوضوا في المسألة ، وإنما نقل فيها مذهب بعضهم ، فلو خاضوا فيها بجملتهم واستقر رأي جميعهم على مذهبين لم يجز إحداث مذهب ثالث .

              ودليله أنه يوجب نسبة الأمة إلى تضييع الحق إذ لا بد للمذهب الثالث من دليل ولا بد من نسبة الأمة إلى تضييعه والغفلة عنه ، وذلك محال . ولهم شبه :

              الشبهة الأولى : قولهم : إنهم خاضوا خوض مجتهدين ولم يصرحوا بتحريم قول ثالث . قلنا : وإذا اتفقوا على قول واحد عن اجتهاد فهو كذلك ولم يجز خلافهم ; لأنه يوجب نسبتهم إلى تضييع الحق والغفلة عن دليله ، فكذلك ههنا .

              الشبهة الثانية : قولهم : إنه لو استدل الصحابة بدليل أو علة لجاز الاستدلال بعلة أخرى ; لأنهم لم يصرحوا ببطلانها ، فكذلك القول الثالث لم يصرحوا ببطلانه .

              قلنا : فليجز خلافهم إذا اتفقوا عن اجتهاد إذ يجوز التعليل بعلة أخرى فيما اتفقوا عليه . لكن الجواب أنه ليس من فرض دينهم الاطلاع على جميع الأدلة بل يكفيهم معرفة الحق بدليل واحد ، فليس في إحداث علة أخرى واستنباطها نسبة إلى تضييع الحق وفي مخالفتهم في الحكم إذا اتفقوا نسبة إلى التضييع ، فكذلك إذا اختلفوا على قولين .

              الشبهة الثالثة : أنه لو ذهب بعض الصحابة إلى أن اللمس والمس ينقضان الوضوء ، وبعضهم إلى أنهما لا ينقضان الوضوء ولم يفرق واحد بينهما ، فقال تابعي : ينقض أحدهما [ ص: 155 ] دون الآخر ، كان هذا جائزا ، وإن كان قولا ثالثا .

              قلنا : لأن حكمه في كل مسألة يوافق مذهب طائفة ، وليس في المسألتين حكم واحد ، وليست التسوية مقصودة ولو قصدوها وقالوا : لا فرق واتفقوا عليه لم يجز الفرق ، وإذا فرقوا بين المسألتين واتفقوا على الفرق قصدا امتنع الجمع ، أما إذا لم يجمعوا ولم يفرقوا فلا يلتئم حكم واحد من مسألتين بل نقول صريحا : لا يخلو إنسان عن معصية وخطأ في مسألة ، فالأمة مجتمعة على المعصية والخطأ ; وكل ذلك ليس بمحال إنما يستحيل الخطأ بحيث يضيع الحق حتى لا يقوم به طائفة مع قوله عليه السلام : { لا تزال طائفة من أمتي على الحق } فلهذا نقول : يجوز أن تنقسم الأمة في مسألتين إلى فرقتين وتخطئ فرقة في مسألة ، والفرقة الأخرى تقوم بالحق فيها والقائمون بالحق يخطئون في المسألة الأخرى ، ويقوم بالحق فيها المخطئون في المسألة الأولى ، حتى يقول مثلا أحد شطري الأمة القياس ليس بحجة والخوارج مبطلون ، ويقول فريق آخر : القياس حجة والخوارج محقون ، فيشملهم الخطأ ولكن في مسألتين ، فلا يكون الحق في مسألتين مضيعا بين الأمة في كل واحد منهما .

              الشبهة الرابعة : أن مسروقا أحدث في مسألة الحرام قولا ثالثا ولم ينكر عليه منكر . قلنا : لم يثبت استقرار كافة الصحابة على رأيين في مسألة الحرام بل ربما كان بعضهم فيها في مهلة النظر أو لم يخض فيها ، أو لعل مسروقا خالف الصحابة في ذلك الوقت ولم ينطق بوفاقهم وكان أهلا للاجتهاد في وقت وقوع هذه المسألة ، كيف ولم يصح هذا عن مسروق إلا بأخبار الآحاد ؟ فلا يدفع بها ما ذكرنا .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية