الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى

                                                                                                                                                                                                "لكبيركم " : لعظيمكم ، يريد : أنه أسحرهم وأعلاهم درجة في صناعتهم ، أو لمعلمكم ؛ من قول أهل مكة للمعلم : أمرني كبيري ، وقال لي كبيري : كذا ، يريدون : معلمهم وأستاذهم في القرآن وفي كل شيء ، قرئ : "فلأقطعن" "ولأصلبن" بالتخفيف ، والقطع من خلاف : أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ؛ لأن كل واحد من العضوين خالف الآخر ، بأن هذا يد وذاك رجل ، وهذا يمين وذاك شمال ، و " من " : لابتداء الغاية ؛ لأن القطع مبتدأ وناشئ من مخالفة العضو العضو ، لا من وفاقه إياه ، ومحل الجار [ ص: 97 ] والمجرور النصب على الحال ، أي : لأقطعنها مختلفات ؛ لأنها إذا خالف بعضها بعضا فقد اتصفت بالاختلاف ، شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن الشيء الموعى في وعائه ؛ فلذلك قيل : في جذوع النخل . "أينا " : يريد نفسه لعنه الله وموسى -صلوات الله عليه- بدليل قوله : آمنتم له ، واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله تعالى ؛ كقوله تعالى : يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين [التوبة : 61 ] وفيه نفاجة باقتداره وقهره ، وما ألفه وضري به : من تعذيب الناس بأنواع العذاب ، وتوضيع لموسى -عليه السلام- واستضعاف له مع الهزء به ؛ لأن موسى لم يكن قط من التعذيب في شيء .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية