الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1396 - مسألة : وكذلك لا يجوز الحجر أيضا على امرأة ذات زوج ; ولا بكر ذات أب ، ولا غير ذات أب - وصدقتهما ، وهبتهما - : نافذ كل ذلك من رأس المال إذا حاضت كالرجل سواء سواء - وهو قول سفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي ثور وأبي سليمان ، وأصحابهم .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : ليس لذات الزوج إلا الثلث فقط تهبه وتتصدق به - أحب زوجها أم كره - فإذا مضت لها مدة جاز لها في ثلث ما بقي أيضا أن تفعل فيه ما شاءت - أحب زوجها أم كره - وهكذا أبدا ، فإن كان ذلك قريبا من فعلها في الأول : فسخ - فإن زادت على الثلث رد الكل أوله عن آخره ، بخلاف المريض إن شاء زوجها أن يرده ، وإن أنفذه نفذ ، فإن خفي ذلك عن زوجها حتى تموت أو يطلقها نفذ كله - قال المغيرة بن عبد الرحمن صاحبه : بل لا يرد الزوج إلا ما زاد على الثلث فقط ، وينفذ لها الثلث كالمريض .

                                                                                                                                                                                          قال مالك : فإن وهبت لزوجها . مالها كله نفذ ذلك ، وأما بيعها وابتياعها فجائز - أحب زوجها أم كره - إذا لم يكن فيه محاباة .

                                                                                                                                                                                          قال : وأما البكر فمحجورة على كل حال - ذات أب كانت أو غير ذات أب - لا يجوز لها فعل في مالها ، ولا في شيء منه ، ولا أن تضع عن زوجها من الصداق وإن عنست حتى تدخل بيت زوجها ، ويعرف من حالها فإن وهبت قبل أن تتزوج ثم تزوجت : كان لها أن ترجع فيما وهبت إلا إن كان يسيرا ، قال : وأما التي كان لها زوج ثم تأيمت فكالرجل في نفاذ حكمها في مالها كله .

                                                                                                                                                                                          وأما المتقدمون : فروينا عنهم أقوالا : روينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن إسماعيل بن خالد ، وزكريا بن أبي زائدة ، كلاهما عن الشعبي عن شريح قال : عهد إلي [ ص: 182 ] عمر بن الخطاب أن لا أجيز عطية جارية حتى تلد ولدا ، أو تحول في بيتها حولا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا إسماعيل بن أبي خالد نا الشعبي قال : قال شريح : أمرني عمر بن الخطاب أن لا أجيز لجارية مملكة عطية حتى تحيل في بيت زوجها حولا أو تلد ولدا ، قال : فقلت للشعبي : كتب إليه عمر فقال : بل شافهه به مشافهة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي قال : قرأت كتاب عمر إلى شريح بذلك ، وذلك أن جارية من قريش قال لها أخوها وهي مملكة : تصدقي علي بميراثك من أبيك ؟ ففعلت ، ثم طلبت ميراثها فرده عليها

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا من طريق الحجاج بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن خلاس بن عمرو قال : وكتب عمر بن الخطاب : لا تجيزوا نحل امرأة بكر حتى تحيل حولا في بيت زوجها أو تلد ولدا .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهو قول شريح كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة ، وأيوب السختياني ، وهشام بن حسان كلهم عن محمد بن سيرين : أن شريحا قال في المرأة إذا وهبت من مالها : فإنه لا تجوز لها هبتها حتى تلد ولدا ، أو تبلغ ، أنى ذلك وهو سنة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي داود الطيالسي عن سعيد بن عبد الرحمن عن الحسن ، ومحمد بن سيرين ، قال محمد : لا تجوز لامرأة عطية حتى تحول حولا أو تلد ولدا ، فقال الحسن : حتى تلد ولدا أو تبلغ ، أنى ذلك .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبيد الله بن عثمان بن الأسود عن عطاء ومجاهد قالا جميعا : لليتيمة خناقان لا يجوز لها شيء من مالها حتى تلد ولدا ، أو تمضي عليها سنة في بيت زوجها - وهو قول قتادة ، والشعبي ، إلا أنه اختلف عنه إذا عنست قبل ذلك - فروينا عنه من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت للشعبي : أرأيت إن عنست أيجوز - يعني هبتها ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                          وروينا عنه من طريق ابن أبي زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد قلت للشعبي : أرأيت إن عنست ؟ قال : لا يجوز ، كلاهما من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع ، وابن أبي زائدة [ ص: 183 ] ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو الأحوص عن المغيرة عن الشعبي قال : إذا حالت في بيتها حولا جاز لها ما صنعت ، قال المغيرة ، وقال إبراهيم : إذا ولدت الجارية أو ولد مثلها جازت هبتها - وهو قول الأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .

                                                                                                                                                                                          وقول آخر روي عن أنس بن مالك ، وهو أنه لا يجوز لذات زوج عطية في شيء من مالها إلا بإذن زوجها . ومن طريق العرزمي عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة قال : لا يحل للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها إلا بإذنه ، وأن صفية بنت أبي عبيد كانت لا تعتق - ولها ستون سنة إلا بإذن ابن عمر .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا ليس فيه دليل على أنه لا يرى لها ذلك جائزا دون إذنه ، لكنه على حسن الصحبة فقط .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : لا تجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها - وقد روي هذا عن الحسن ، ومجاهد وهو قول الليث بن سعد ، فلم يجز لذات الزوج عتقا ، ولا حكما في صداقها ولا غيره إلا بإذن زوجها - إلا الشيء اليسير الذي لا بد لها منه في صلة رحم أو ما يتقرب به إلى الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                          وممن روي عنه مثل قولنا : كما روينا من طريق مسلم نا محمد بن عبيد الغبري نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة أن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت : كنت أخدم الزبير خدمة البيت ، وأسوس فرسه ، كنت أحتش له ، وأقوم عليه ، فلم يكن شيء أشد علي من سياسة الفرس - ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبي فأعطاها خادما ، ثم ذكرت حديثا وفيه أنها باعتها ، قالت : فدخل الزبير وثمنها في حجري فقال : هبيها إلي ؟ قالت : أنى ، لكن تصدقت بها - فهذا الزبير ، وأسماء بنت الصديق ، قد أنفذت الصدقة بثمن خادمها ، وبيعها بغير إذن زوجها ، ولعلها لم تكن تملك شيئا غيرها ، أو كان أكثر ما معها - كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا الحسن بن محمد - هو ابن الصباح - عن حجاج - هو ابن محمد الأعور - عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة عن عباد بن عبد الله بن الزبير { عن أسماء بنت أبي بكر أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي [ ص: 184 ] الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير ، فهل علي جناح في أن أرضخ مما يدخل علي ؟ قال : ارضخي ما استطعت ولا توكي فيوكى عليك } فلم ينكر الزبير ذلك .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق حماد بن سلمة نا يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين أن امرأة رأت فيما يرى النائم أنها تموت إلى ثلاثة أيام فأقبلت على ما بقي من القرآن عليها فتعلمته ، وشذبت مالها ، وهي صحيحة ، فلما كان يوم الثالث دخلت على جاراتها فجعلت تقول : يا فلانة أستودعك الله ، وأقرأ عليك السلام ؟ فجعلن يقلن لها : لا تموتين اليوم ، لا تموتين اليوم - إن شاء الله - فماتت ، فسأل زوجها أبا موسى الأشعري عن ذلك ؟ فقال له أبو موسى : أي امرأة كانت امرأتك ؟ فقال : ما أعلم أحدا كان أحرى منها أن تدخل الجنة إلا الشهيد ، ولكنها فعلت ما فعلت ، وهي صحيحة ؟ فقال أبو موسى : هي كما تقول فعلت ما فعلت ، وهي صحيحة فلم يرده أبو موسى .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية