الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1397 - مسألة : وللمرأة حق زائد ، وهو أن لها أن تتصدق من مال زوجها أحب أم كره ، وبغير إذنه غير مفسدة ، وهي مأجورة بذلك ، ولا يجوز له أن يتصدق من مالها بشيء أصلا إلا بإذنها ، قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } فبطل بهذا حكم أحد في مال غيره .

                                                                                                                                                                                          ثم وجب أن يخص من ذلك ما خصه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا من طريق أسماء بنت أبي بكر الصديق في الباب الذي قبل هذا .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق مسلم نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق نا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا . [ ص: 193 ] تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه ، وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني أحمد بن حرب نا أبو معاوية عن الأعمش عن سفيان عن عائشة أم المؤمنين .

                                                                                                                                                                                          قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان له أجره بما كسب ، ولها مثله بما أنفقت ، وللخازن مثل ذلك من غير أن ينقص من أجورهم شيء } ورويناه أيضا من طريق محمد بن جعفر نا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا وائل يحدث عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجر وللزوج مثل ذلك ، وللخازن مثل ذلك ، ولا ينقص كل واحد منهما من أجر صاحبه شيئا } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أبو وائل أدرك الجاهلية ، وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فغير منكر أن يسمعه من أم المؤمنين ومن مسروق عنها أيضا .

                                                                                                                                                                                          قال علي : واعترض بعض الجهال في هذه الآثار القوية برواية تشبهه من طريق العرزمي عن عطاء عن أبي هريرة " لا يحل للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها بغير إذنه " وهذا جهل شديد ; لأنه لا يصح عن أبي هريرة لضعف العرزمي .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح فلا يعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي من دونه إلا فاسق - فإن قالوا : أبو هريرة روى هذا وهو تركه ؟ قلنا : قد مضى الجواب ، وإنما افترض علينا الانقياد لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لا للباطل الذي لم يصح عمن دونه ، نعم ، ولا لما صح عمن دونه ، والحجة في رواية أبي هريرة لا في رأيه ، وقد أفردنا لما تناقضوا في هذا المكان بابا ضخما فكيف وقد صح عن غير أبي هريرة القول بهذا ؟ كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد [ ص: 194 ] عن قيس بن أبي حازم عن امرأته : أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين فسألتها امرأة هل تتصدق المرأة من بيت زوجها ؟ فقالت عائشة : نعم ، ما لم تق مالها بماله .

                                                                                                                                                                                          فإن ذكروا ما روينا من طريق عبد الرزاق عن إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني عن أبي أمامة الباهلي " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تنفق المرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها ، قيل : يا رسول الله ولا الطعام ؟ قال : ذلك أفضل أموالنا } .

                                                                                                                                                                                          وما روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن مورق العجلي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته امرأة ما يحل من أموال أزواجهن ؟ قال : الرطب تأكلينه وتهدينه } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن زياد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله : إلا أنه قال " الرطب " بفتح الراء وإسكان الطاء - وفي الأول بضم الراء وفتح الطاء .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فهذا كله لا شيء ، حديث عبد الرزاق عن إسماعيل بن عياش - وهو ضعيف - عن شرحبيل بن مسلم وهو مجهول لا يدرى من هو ، لا يعارض بمثله الثابت من طريق أسماء ، وعائشة ، وأبي هريرة ، المتواتر عنهم من طريق ابن أبي مليكة ، وعباد بن عبيد الله بن الزبير ، وفاطمة بنت المنذر عن أسماء ، ومسروق ، وشقيق عن عائشة ، والأعرج ، وهمام بن منبه عن أبي هريرة ، هذا نقل تواتر يوجب العلم في أعلام مشاهير بمثل هذا السقوط والضعف الذي لو انفرد عن معارض لم يحل الأخذ به . والآخران مرسلان ، على أن فيهما خلافا لقول المخالف ، لأن فيه إباحة الرطب [ ص: 195 ] جملة ، وقد تعظم قيمته ، وقد رويت مراسيل أحسن من هذا بخلاف قولهم - : كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن زريع نا يونس بن عبيد عن الحسن { قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : صاحبتي تتصدق من مالي ، وتطعم من طعامي ؟ قال : أنتما شريكان قال : أرأيت إن نهيتها عن ذلك ؟ قال : لها ما نوت ولك ما بخلت } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن عباس أن امرأة قالت له آخذ من مال زوجي فأتصدق به ؟ قال : الخبز والتمر ، قالت : فدراهمه ؟ قال : أتحبين أن يتصدق عليك ؟ قالت : لا ، قال : فلا تأخذي دراهمه إلا بإذنه - أو نحو هذا .

                                                                                                                                                                                          قال علي : يكفي من هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " غير مفسدة " فهذا يجمع البيان كله .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } . وقال تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } فمن خالف هذا لم يلتفت إليه - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية