الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى

                                                                                                                                                                                                فاضرب لهم طريقا : فاجعل لهم ؛ من قولهم : ضرب له في ماله سهما ، وضرب [ ص: 98 ] اللبن : عمله ، اليبس : مصدر وصف به ، يقال : يبس يبسا ويبسا ؛ ونحوهما : العدم والعدم ، ومن ثم وصف به المؤنث ، فقيل ؛ شاتنا يبس ، وناقتنا يبس : إذا جف لبنها ، وقرئ : "يبسا" و "يابسا " ، ولا يخلو اليبس من أن يكون مخففا عن اليبس ، أو صفة على فعل ، أو جمع يابس ، كصاحب وصحب ، وصف به الواحد تأكيدا ؛ كقوله [من الوافر ] :


                                                                                                                                                                                                ومعى جياعا



                                                                                                                                                                                                جعله لفرط جوعه كجماعة جياع "لا تخاف" : حال من الضمير في "فاضرب" وقرئ : "لا تخف " : على الجواب ، وقرأ أبو حيوة : "دركا" بالسكون ، والدرك والدرك : اسمان من الإدراك ، أي : لا يدركك فرعون وجنوده ولا يلحقونك ، في "ولا تخشى " : إذا قرئ : "لا تخف" : ثلاثة أوجه : أن يستأنف ، كأنه قيل : وأنت لا تخشى ، أي : ومن شأنك أنك آمن لا تخشى ، وأن لا تكون الألف المنقلبة عن الياء هي لام الفعل ، ولكن : زائدة للإطلاق من أجل الفاصلة ؛ كقوله : فأضلونا السبيلا [الأحزاب : 67 ] ، وتظنون بالله الظنونا [الأحزاب : 10 ] ، وأن يكون مثله قوله [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا



                                                                                                                                                                                                [ ص: 99 ] ما غشيهم : من باب الاختصار ، ومن جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة ، أي : غشيهم ما لا يعلم كنهه إلا الله ، وقرئ : "فغشاهم من اليم ما غشاهم " ، والتغشية : التغطية ، وفاعل غشاهم : إما الله سبحانه ، أو ما غشاهم ، أو فرعون ؛ لأنه الذي ورط جنوده وتسبب لهلاكهم ، وقوله : وما هدى : تهكم به ، في قوله : وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ل [غافر : 29 ] .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية