الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ولقد علمنا المستقدمين منكم " يقال : استقدم الرجل ، بمعنى : تقدم ، واستأخر ، بمعنى : تأخر .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي سبب نزولها قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 396 ] أحدهما : أن امرأة حسناء كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان بعضهم يستقدم حتى يكون في أول صف لئلا يراها ، ويتأخر بعضهم حتى يكون في آخر صف ، فإذا ركع نظر من تحت إبطه ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم حرض على الصف الأول ، فازدحموا عليه ، وقال قوم بيوتهم قاصية عن المدينة : لنبيعن دورنا ، ولنشترين دورا قريبة من المسجد حتى ندرك الصف المتقدم ، فنزلت هذه الآية ; ومعناها : إنما تجزون على النيات ، فاطمأنوا وسكنوا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وللمفسرين في معنى المستقدمين والمستأخرين ثمانية أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : التقدم في الصف الأول ، والتأخر عنه ، وهذا على القولين المذكورين في سبب نزولها ، فعلى الأول : هو التقدم للتقوى ، والتأخر للخيانة بالنظر ، وعلى الثاني : هو التقدم لطلب الفضيلة ، والتأخر للعذر .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن المستقدمين : من مات ، والمستأخرين : من هو حي لم يمت ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وخصيف عن مجاهد ، وبه قال عطاء ، والضحاك ، والقرظي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أن المستقدمين : من خرج من الخلق وكان . والمستأخرين : الذين في أصلاب الرجال ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 397 ] والرابع : أن المستقدمين : من مضى من الأمم ، والمستأخرين : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس : أن المستقدمين : المتقدمون في الخير ، والمستأخرين : المثبطون عنه ، قاله الحسن ، وقتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والسادس : أن المستقدمين : في صفوف القتال ، والمستأخرين عنها ، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                      والسابع : أن المستقدمين : من قتل في الجهاد ، والمستأخرين : من لم يقتل ، قاله القرظي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثامن : أن المستقدمين : أول الخلق ، والمستأخرين : آخر الخلق ، قاله الشعبي .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية