الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1399 - مسألة : وأما من لم يبلغ ، أو بلغ وهو لا يميز ولا يعقل أو ذهب تمييزه بعد أن بلغ مميزا - : فهؤلاء غير مخاطبين ولا ينفذ لهم أمر في شيء من مالهم لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رفع القلم عن ثلاث ، فذكر الصبي حتى يبلغ ، والمجنون حتى يبرأ } .

                                                                                                                                                                                          فإن كان المجنون يفيق تارة ويعقل ، ويجن أخرى - : جاز فعله في الساعات التي يفيق فيها ، وبطل فعله في الساعات التي يجن فيها لما ذكرنا آنفا ولأنه مخاطب في ساعات عقله غير مخاطب في ساعات جنونه .

                                                                                                                                                                                          قال علي : ومن حجر عليه ماله لصغر أو جنون ، فسواء كان عليه وصي من أب أو من قاض كل من نظر له نظرا حسنا في بيع أو ابتياع ، أو عمل ما - : فهو نافذ لازم لا يرد ، وإن أنفذ عليه الوصي ما ليس نظرا لم يجز ، لقول الله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } رحمهم الله : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } . [ ص: 200 ] لقول الله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم } .

                                                                                                                                                                                          وقوله تعالى : { المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه } .

                                                                                                                                                                                          فصح أن كل مسلم فهو ولي لكل مسلم ، وأنه مأمور بالنظر له بالأحوط وبالقيام له بالقسط ، وبالتعاون على البر والتقوى ; فكل بر وتقوى أنفذه المسلم للصغير ، والذي لا يعقل فهو نافذ بنص القرآن ، ولم يأت قط نص بإفراد الوصي بذلك ورد ما سواه .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : فأجيزوا هذا في الصغير الذي له أب ؟ قلنا : نعم ، هكذا نقول ، ولو أن أباه يسيء له النظر لمنع من ذلك .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : فأجيزوا هذا من المسلمين بعضهم على بعض بهذا الليل نفسه ؟ قلنا : منعنا من ذلك قول الله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } فالمخاطب المكلف المتملك ماله لا يجوز لأحد أن يكسب عليه غيره ، وأما من ليس مخاطبا ولا مكلفا ولا مملكا ماله فلا شك في أن غيره هو المأمور بإصلاح ماله ، فمن سارع إلى ما أمر به من ذلك فهو حقه ، وكذلك الغائب الذي يضيع ماله ، فكل من سبق إلى حسن النظر فيه نفذ ذلك ، إلا فيما يمنع منه إذا قدم وكان لا ضرر في ترك إنفاذه فهذا ليس لأحد إنفاذه عليه لما ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية