الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            14254 - وعن يزيد بن بابنوس قال : ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة فاستأذنا عليها ، فألقت إلينا وسادة ، وجذبت الحجاب إليها ، فسألها عن مباشرة الحائض . ثم قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر ببابي ربما يلقي الكلمة ينفع الله بها ، فمر ذات يوم فلم يقل شيئا ، ثم مر أيضا فلم يقل شيئا مرتين أو ثلاثا . قلت : يا جارية ، ضعي لي وسادة على الباب ، وعصبت رأسي ، فمر بي فقال : " يا عائشة ، ما شأنك ؟ " . قلت : أشتكي رأسي . قال : " أنا وارأساه " . فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جيء به محمولا في كساء ، فدخل وبعث إلى النساء فقال : " إني قد اشتكيت ، وإني لا أستطيع أن أدور بينكن ، فائذن لي فلأكن عند عائشة " . فأذن له ، فكنت أوصبه ولم أوصب أحدا قبله ، فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو [ ص: 32 ] رأسي ، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة ، فخرجت من فيه نطفة باردة فوقعت على ثغرة نحري ، فاقشعر لها جلدي ، فظننت أنه غشي عليه ، فسجيته ثوبا ، فجاء عمر ، والمغيرة بن شعبة ، فاستأذنا ، فأذنت لهما ، وجذبت الحجاب ، فنظر عمر إليه فقال : واغشياه ! ما أشد غشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قام ، فلما دنوا من الباب قال المغيرة لعمر : مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : كذبت ، بل أنت رجل تحوسك فتنة ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يموت حتى يفني الله المنافقين ، ثم جاء أبو بكر فرفع الحجاب ، فنظر إليه فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أتاه من قبل رأسه ، فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال : وابنياه ، ثم رفع رأسه ، ثم حدر فاه وقبل جبهته ثم قال واصفياه ، ثم رفع رأسه ، وحدر فاه وقبل جبهته ، وقال : واخليلاه ، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يموت حتى يفني الله المنافقين . فتكلم أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله - عز وجل - يقول : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) حتى ختم الآية ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) الآية . من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات . فقال عمر : إنها لفي كتاب الله ! ! ! ما شعرت أنها في كتاب الله - عز وجل - . ثم قال عمر : يا أيها الناس ، هذا أبو بكر ، وهو ذو شيبة المسلمين فبايعوه . فبايعوه .

                                                                                            قلت : في الصحيح ، وغيره طرف منه .

                                                                                            رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه ، وزاد : فدخل أبو بكر فقال : كيف ترين ؟ قلت : غشي عليه ، فدنا منه فكشف عن وجهه ، فقال : يا غشياه ! ما أكون هذا الغشي ! ثم كشف عن وجهه فعرف الموت ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم بكى فقلت : في سبيل الله انقطاع الوحي ، ودخولجبريل بيتي ، ووضع يده على صدغيه ، ووضع فاه على جبهته ، فبكى حتى سالت دموعه على وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم غطى وجهه ، وخرج إلى الناس ، وهو يبكي ، فقال : يا معشر المسلمين ، هل عند أحد منكم عهد بوفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالوا : لا ، ثم أقبل على عمر فقال : يا عمر ، أعندك عهد بوفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لا . قال : والذي لا إله غيره لقد ذاق طعم الموت وقد [ ص: 33 ] قال لهم : " إني ميت وإنكم ميتون " . فضج الناس وبكوا بكاء شديدا ، ثم خلوا بينه وبين أهل بيته ، فغسله علي بن أبي طالب ، وأسامة بن زيد يصب عليه الماء ، فقال علي : ما نسيت منه شيئا لم أغسله إلا قلب لي حتى أرى أحدا ، فأغسله من غير أن أرى أحدا حتى فرغت منه ، ثم كفنوه ببرد يماني أحمر وريطتين قد نيل منهما ، ثم غسل ، ثم أضجع على السرير ، ثم أذنوا للناس ; فدخلوا عليه فوجا فوجا يصلون عليه بغير إمام ، حتى لم يبق أحد بالمدينة - حر ولا عبد - إلا صلى عليه .

                                                                                            ثم تشاجروا في دفنه أين يدفن ؟ فقال بعضهم : عند العود الذي كان يمسك بيده ، وتحت منبره . وقال بعضهم : في البقيع ; حيث كان يدفن موتاه . فقالوا : لا نفعل ذلك أبدا ، إذا لا يزال عبد أحدكم ووليدته قد غضب عليه مولاه فيلوذ بقبره فتكون سنة ، فاستقام رأيهم على أن يدفن في بيته تحت فراشه حيث قبض روحه .

                                                                                            فلما مات أبو بكر دفن معه ، فلما حضر عمر بن الخطاب الموت أوصى قال : إذا أنا مت فاحملوني إلى باب بيت عائشة ، فقولوا لها : هذا عمر بن الخطاب يقرئك السلام ، ويقول : أدخل أو أخرج ؟ قال : فسكتت ساعة ، ثم قالت : أدخلوه فادفنوه ، أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره . قالت : فلما دفن عمر أخذت الجلباب فتجلببت به . قال : فقيل لها : ما لك وللجلباب ؟ قالت : كان هذا زوجي ، وهذا أبي ، فلما دفن عمر تجلببت
                                                                                            .

                                                                                            ورجال أحمد ثقات ، وفي إسناد أبي يعلى عويد بن أبي عمران وثقه ابن حبان ، وضعفه الجمهور ، وقال بعضهم : متروك .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية