الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: الطلاق مرتان فيه تأويلان: أحدهما: أنه بيان لعدد الطلاق وتقديره: بالثلاث ، وأنه يملك في الاثنين الرجعة ولا يملكها في الثالثة ، وهو قول عروة وقتادة ، وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الرجل يطلق ناسيا ، إن راجع امرأته قبيل أن تنقضي عدتها كانت [ ص: 294 ]

                                                                                                                                                                                                                                        امرأته ، فغضب رجل من الأنصار على امرأته ، فقال لها: لا أقربك ولا تختلين مني ، قالت له كيف؟ أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك ، فشكت زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى: الطلاق مرتان الآية.
                                                                                                                                                                                                                                        والتأويل الثاني: أنه بيان لسنة الطلاق أن يوقع في كل قول طلقة واحدة ، وهو قول عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، ومجاهد. قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فيه تأويلان: الأول: هذا في الطلقة الثالثة ، روى سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الطلاق مرتان فأين الثالثة؟ قال: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وهذا قول عطاء ، ومجاهد. والثاني: فإمساك بمعروف الرجعة بعد الثانية أو تسريح بإحسان والإمساك عن رجعتها حتى تنقضي العدة ، وهو قول السدي ، والضحاك. الإحسان هو تأدية حقها ، والكف عن أذاها. ثم قال تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا يعني من الصداق إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله قرأ حمزة بضم الياء من (يخافا) ، وقرأ الباقون بفتحها ، والخوف ههنا بمعنى الظن ، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        أتاني كلام عن نصيب يقوله وما خفت بالإسلام أنك عائبي



                                                                                                                                                                                                                                        يعني وما ظننت. وفي أن يخافا ألا يقيما حدود الله أربعة تأويلات: أحدها: أن يظهر من المرأة النشوز وسوء الخلق ، وهو قول ابن عباس . [ ص: 295 ]

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني: أن لا تطيع له أمرا ، ولا تبر له قسما ، وهو قول الحسن ، والشعبي. والثالث: هو أن يبدي لسانها أنها له كارهة ، وهو قول عطاء. والرابع: أن يكره كل واحد منهما صاحبه ، فلا يقيم كل واحد منهما ما أوجب الله عليه من حق صاحبه ، وهو قول طاوس ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، روى ثابت بن يزيد ، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المختلعات والمنتزعات هن المنافقات) . يعني التي تخالع زوجها لميلها إلى غيره. ثم قال تعالى: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به فيه قولان: أحدهما: افتدت به نفسها من الصداق وحده من غير زيادة ، وهو قول علي ، وعطاء ، والزهري ، وابن المسيب ، والشعبي ، والحكم ، والحسن. والقول الثاني: يجوز أن تخالع زوجها بالصداق وبأكثر منه ، وهذا قول عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والنخعي ، والشافعي . روى عبد الله بن محمد بن عقيل: أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته قالت: كان لي زوج يقل علي الخبز إذا حضر ، ويحرمني إذا غاب ، قالت: وكانت مني زلة يوما فقلت: أنخلع منك بكل شيء أملكه ، قال: نعم ، قالت ففعلت ، قالت: فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان ، فأجاز الخلع ، وأمره أن يأخذ ما دون عقاص الرأس. واختلفوا في نسخها ، فحكي عن بكر بن عبد الله أن الخلع منسوخ بقوله تعالى: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا [النساء: 20] وذهب الجمهور إلى أن حكمها ثابت في جواز الخلع. [ ص: 296 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وقد روى أيوب ، عن كثير مولى سمرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بامرأة ناشزة ، فأمر بها إلى بيت كثير ، فحبسها ثلاثا ، ثم دعاها فقال: كيف وجدت مكانك؟ قالت: ما وجدت راحة منذ كنت إلا هذه الليالي التي حبستني ، فقال لزوجها: اخلعها ولو من قرطها. وقوله تعالى: فإن طلقها فيه قولان: أحدهما: أنها الطلقة الثالثة وهو قول السدي. والثاني: أن ذلك تخيير لقوله تعالى: أو تسريح بإحسان ، وهو قول مجاهد. فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره يعني أنها لا تحل للزوج المطلق ثلاثا حتى تنكح زوجا آخر ، وفيه قولان: أحدهما: أن نكاح الثاني إذا طلقها منه أحلها للأول سواء دخل بها أو لم يدخل ، وهو قول سعيد بن المسيب. والثاني: أنها لا تحل للأول بنكاح الثاني ، حتى يدخل بها فتذوق عسيلته ويذوق عسيلتها ، للسنة المروية فيه ، وهو قول الجمهور.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية