الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنـزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم ( 231 وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون

                                                          * * *

                                                          بين الله سبحانه وتعالى نظام الطلاق في الإسلام ، فذكر عدده ، وأن الرجل أولى بزوجه ، له ردها من غير عقد ما دامت في العدة ، إذا كان ذلك بعد الطلقة الأولى أو الثانية ; ثم بين متى يسوغ أن تفتدي المرأة نفسها بمال تقدمه ، وبين التحريم الذي يعقب الطلقة الثالثة ، ومتى ينتهي ذلك التحريم ; وفي الجملة بين نظام الطلاق [ ص: 793 ] الذي يجعله في دائرة المعقول ، وعند الحاجة إليه ، وبين معه طريق تفادي نتائجه من الفصم ، متى كانت ثمة ندحة ، أو متى كان هناك أمل في استئناف حياة زوجية سعيدة ، يعالج فيها كل واحد من الزوجين نفسه ، ويجعلها ملائمة لنفس صاحبه ، ويصلح من حاله وحال من معه ، متى كان ذلك في دائرة الإمكان .

                                                          بعد بيان ذلك النظام المحكم الوثيق الأركان ، أخذ سبحانه وتعالى يبين ما يجب على الرجال إذا كانت الفرقة ، وقد انشعبت القلوب ، ولم يكن سبيل للالتئام ، أو كان ثمة سبيل موصل إليه ، أي أن الآيات السابقة في بيان نظام الطلاق ، وهاتين الآيتين في بيان ما ينبغي اتباعه في معالجة نتائجه ، ليكون العدل والحق ، ولا يكون الجور . والباطل ، أو الشطط والتهور . وقد قال سبحانه عز من قائل : وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف

                                                          الأجل هنا : العدة ، ويصح أن يطلق على آخرها ، فإن كلمة أجل تطلق على المدة كلها ، كما تطلق على الزمن الذي تنتهي إليه ، فيقال : أجل الدين هو شهران ، ويقال : أجل الدين هو نهاية شهر كذا ، وكلا التفسيرين يصح أن يكون مرادا هنا ، والأقرب أن يراد به انتهاء المدة .

                                                          وبلوغ الأجل المراد به هنا قرب انتهاء العدة ، ومشارفة ذلك الانتهاء ، وذلك لأن الإمساك بالمعروف ، وهو المراجعة لا يمكن أن يتحقق إلا إذا فسرنا بلوغ الأجل بقرب انتهائه ، إذ لا معنى للإمساك بمعروف بعد انتهاء الأجل ، فإن المراجعة لا تكون بعد انقضاء العدة .

                                                          ولقد قال الراغب الأصفهاني في معنى البلوغ ما نصه :

                                                          ( البلوغ والبلاغ : الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى ، مكانا كان أو زمانا ، أو أمرا من الأمور المقدرة ، وربما يعبر به عن المشارفة عليه ، وإن لم ينته إليه ; فمن الانتهاء حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة وقوله عز وجل : وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن وأما قوله عز وجل : فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف فللمشارفة ، فإنها إذا انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها له ) .

                                                          [ ص: 794 ] وإن استعمال البلوغ بمعنى مشارفة الانتهاء مثاله في المكان أن تقول : بلغت المدينة . إذا وصلت إليها ، وصرت على مقربة منها بحيث صرت تشرف عليها ، وتبدو لك مطالعها .

                                                          ومعنى الجملة السامية : إذا شارفت العدة الانتهاء ، وقاربت العلاقة على الانقطاع التام وجب على الرجل أن يتدبر في أمره ، فينظر في ماضيه معها وحاضره ، وما يرجوه في المستقبل ويترقبه ; فإن رجح لديه أن البقاء أولى من القطع ، وأن ما كان سببا لكلمة الطلاق لا يصلح أن يكون سببا لقطع العلاقة قطعا باتا ، وأن يتفرقا ، وأنه إن أعاد الحياة أقام العدل معها ، ولم يكن فيها ما يدفعه إلى الظلم ، ولا في طباعه ما يدفع إلى الأذى ; إن كان ذلك كذلك فليمسكها بمعروف ، أي فليرجعها إليه معتزما إمساكها والبقاء معها بالمعروف ، أي بالتزام الأمر المعقول الذي تعرفه العقول وتقره ، ويرضاه الناس ، ويزكيه الحق سبحانه وتعالى .

                                                          وإن رجح لديه بعد أن ينظر في غابر أمره وحاضره أنه لا يرجو في المستقبل خيرا ، وتأكد لديه ذلك ، أو كان قريبا منه ، أو غلب الظن بذلك ، فليسرحها بمعروف أي فليمض الطلاق ، ويخل بينه وبينها بمعروف ، أي بالأخلاق الحسنة من غير مشاحة ولا معاندة ولا إيذاء ، فإن ذلك هو الذي يعرفه العقلاء ، ويؤمن به الأتقياء ; ولقد كان الصالحون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن جاء بعدهم لا يذكرون نساءهم اللائي يطلقونهن بسوء قط . سئل بعض التابعين : لم طلقت زوجك ؟ فقال : إن العاقل لا يذكر ما بينه وبين أهله .

                                                          وإن التسريح بالمعروف يتقاضى أن يؤدي لها كل حقوقها من مال كان عليه ، وألا يذكرها إلا بخير ، وأن يعاونها إن كانت في حاجة إلى معونته ; حتى لقد قرر [ ص: 795 ] الفقهاء أنه تستحب المتعة لكل مطلقة ; وقد ادعى بعض الفقهاء وجوبها ، عملا بقوله تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين

                                                          وفي الجملة إن التسريح بالمعروف يتقاضى الامتناع عن كل أذى ، ومد يد المعونة إن تعينت إليه ; وهذا هو التسريح الجميل المذكور في قوله تعالى : وسرحوهن سراحا جميلا

                                                          ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه وإذا كان الإمساك بالمعروف ، أو التسريح بالإحسان هو المطلوب ، فإن الإمساك الذي يترتب عليه الضرر لا يسوغ وقد يسأل سائل : إن الله سبحانه وتعالى قد أمر بالإمساك بالمعروف ، أو التسريح بالإحسان ، وإن ذلك يفهم منه ضمنا النهي عن الإمساك ضرارا وإيذاء ; إذ إن الله سبحانه وتعالى قد خير المؤمن بين أمرين لا ثالث لهما ، فكان ذلك نهيا عن الثالث والرابع ، وهو الإمساك ضرارا ، والتسريح مع الإيذاء .

                                                          والجواب عن ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد خص الإمساك ضرارا بالنهي بعد أن فهم النهي عنه وعن غيره ضمنا ، ليبين للمؤمن أنه لا يحل له أن يراجع إلا إذا كان قد اعتزم العدل وأراده ، ولم يجد معوقا له عن إقامته ، بل وجد أنه يستطيع أن يتعاون مع أهله عليه ، وأن التنفير من الطلاق والنهي عن القطيعة لا يسوغان له أن يرضى بإعادة العشرة مع توقع الضرار والأذى ، واستمرار الحياة المعتكرة بالشر والحدة والأذى ، فإنه إذا كانت القطيعة والفراق أمرين غير مرغوب فيهما ، ويتنافيان مع المودة التي يدعو إليها الإسلام ; فإن الضرار بين الزوجين أمر منهي عنه ، وإن المودة هي المطلوبة ، فإن تعذر قيامها ، أو غلب على الظن عدم قيامها ، فلا يسوغ استئناف الحياة الزوجية مع النفرة المستحكمة ، والأذى والنشوز ; فإن ذلك هو الكفر في الإسلام ; لأنه كفر في العشرة ، وعداوة في موطن المودة ، ومكايدة في موضع المسالمة .

                                                          وقد فهم بعض العلماء أن المراد من الضرار هو الإضرار ، فإن ذلك هو الذي يصلح سببا من جانب الذي يملك الرجعة وحده وهو الزوج ; أما الزوجة فإنها [ ص: 796 ] لا تملك الرجعة فلا يتصور ضرر من جانبها يكون مقصودا عند الرجعة ، والضرار يوجب عملا مشتركا من الجانبين ، والاشتراك غير متصور ; فالضرار يكون بمعنى الضرر ; وإن ذلك الفهم صحيح في جملته ; ولكن لم عبر عن الضرر بالضرار ، وعدل عن اللفظ الأصلي الموضوع له إلى لفظ آخر ؟

                                                          والجواب عن ذلك هو أن الرجل عند الإمساك الذي يؤدي إلى الضرار - وهو مبادلة الضرر التي تنشأ عن المعاندة والمكايدة - له حالان :

                                                          إحداهما : أن يقصد إلى الضرر والأذى بالرجعة ، بأن يمسكها مكايدة وعناتا ومبالغة في الظلم لتكون كالمعلقة ; وذلك كما كان يقع من بعض الناس في عصر التنزيل ، إذ يرجعون أزواجهم قبل انتهاء العدة ، ثم يطلقونهن لتطول العدة ، وليبالغوا في الأذى ، وذلك أمر منهي عنه ، لا حاجة إلى النص عليه ، ومعنى الضرار فيه خفي ، لأن الضرر فيه واقع على جانب واحد ، ومن جانب واحد ، أو هو على الأقل واضح في أحد الجانبين ، وليس واضحا في الآخر .

                                                          ثانيهما : هو أن يكون المطلق قاصدا الرجعة الحق ، ولكنه لم يعتزم العدل ، ولم يتوقعه ، ولم ير أن أسباب الطلاق قد زالت ، بل أراد العودة مع قيام أسباب النفرة ; فإن ذلك يكون كقاصد الضرار ، وإن لم يعلنه وإن لم يشعر ; لأنه سيكون بينهما لا محالة وسيقع ; ويكون حينئذ الضرار على أصل معناه ، ويكون مقصودا من فاعل الرجعة ، أو في حكم المقصود .

                                                          وقد بين سبحانه وتعالى أنه سيترتب على الرجعة مع قيام الأسباب التي أوجبت الطلاق والتي اعتبرت ضرارا - أمران :

                                                          أحدهما : أن يعتدي في الحياة الزوجية فيظلم ، بل إن إقدامه مع توقع الكيد والأذى اعتداء ; ولذا قال سبحانه وتعالى : لتعتدوا فاللام هنا هي التي تسمى لام العاقبة ، فهي تبين أن ثمرة الرجعة التي لا يتوقع فيها العدل هو الاعتداء ، بل إن ذات الرجعة في هذه الحال من الاعتداء والظلم .

                                                          [ ص: 797 ] الأمر الثاني : الذي يترتب على الرجعة ضرارا ، هو أنه يظلم نفسه ، فكما أنه يترتب على ذلك الضرار اعتداء على غيره يكون فعله ظلما لنفسه ; ولذا قال سبحانه : ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه أي أن من يرجع مطلقته إضرارا أو ضرارا فقد ظلم نفسه ظلما مؤكدا ، وإذا كان قد أراد ظلمها فمن المؤكد أنه قد ناله حظ عظيم من الظلم قبل أن ينالها ; وذلك لأنه عصى ربه فاستحق عذابه ، ولأنه جعل البيت الذي هو مثابة الراحة والقرار مكان نكد واضطراب يستبدل فيه بالمودة البغضاء ; ولأنه لا يعيد إلى حظيرة الزوجية زوجا ودودا ، بل عدوا شديدا ، وأشد الأعداء من كان منك قريبا ، وقد يكون كالثعبان بين جنبيك ; وأي ظلم للنفس فوق هذا الظلم .

                                                          ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنـزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به بعد أن نهى سبحانه وتعالى عن أن تتخذ الرجعة ضرارا ، أو يقدم الرجل عليها وهو يعلم أو يظن أنه لن يكون إمساك بمعروف ; أعقب ذلك بنهي آخر هو توكيد للنهي الأول ، فقال : ولا تتخذوا آيات الله هزوا وذلك لأن الله سبحانه وتعالى رسم في آياته حدودا ونظما تتقرر بها الحياة الزوجية ، فشرع الرجعة لتدارك ما فاته وقت الغضب ، ولرجاء أن يستقيم الأمر ، وتقام الحياة الزوجية بالمعروف ، بعد أن تهددتها القطيعة ، وقاربت على الانفصال ، فمن اتخذ الرجعة للضرار ، أو وهو غير مستيقن صلاح الحال أو يرجو ذلك ، فهو كمن يستهزئ بأحكام الله ، وآياته سبحانه ; لأنه ينفذ الأوامر في غير موضعها ، ويكذب على نفسه وعلى دينه وعلى ربه ، فهو يعمل عمل من يريد الصلاح ولا يريده ، وعمل من يقيم الحياة الزوجية الصحيحة ولا يقيمها ، ثم هو في أعماله يشبه اللاعب الهازئ ، بل إنه لاعب هازئ في موضع الجد ، يطلق لأتفه الأسباب ، ويرجعها من غير أن ينوي الصلاح والعشرة بالمعروف ، فيطلق ثانيا عابثا ، ثم يرجعها عابثا ، ثم يطلق ، فيكون التحريم بسبب العبث والمجون .

                                                          [ ص: 798 ] ويصح أن يراد بالآيات الآيات التكوينية ، لا الآيات القرآنية الحكمية المتلوة ; وذلك لأن من آيات الله في الكون أن جعل الزوج سكنا تربطها به المودة ، فقال : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة فمن طلق عابثا وراجع عابثا ، وجعل الحياة الزوجية اضطرابا وضرارا وعداوة بدل المودة ، فقد استهزأ بآيات الله الكونية ، فحرم نفسه من نعمتها ; ولذا قال سبحانه بعد هذا النهي : واذكروا نعمت الله عليكم وما أنـزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به فقد أمر سبحانه وتعالى المؤمنين بأن يتذكروا دائما نعمة الله تعالى عليهم ، وأن يتذكروا ما في الكتاب وما جاءت به السنة من أحكام وعظات .

                                                          أما النعمة التي يجب تذكرها فهي نعمة الزوجية خاصة ، ونعمه سبحانه وتعالى عامة ، ونعمة الزوجية تتجلى في أن يكون للشخص أليف في الحياة يقطع معه بيداءها ، ويتحمل معه لأواءها ; ويكون بيت الزوجية فيها كواحة في وسط صحراء الحياة ، وروضة يأوي إليها بعد المشاق وبعد الكد واللغوب ، فمن عبث بهذه النعمة فقد ظلم نفسه ، ونسي أنعم الله سبحانه وتعالى عليه ، ثم حق عليه أن يتذكرها ; ومن كمال نعم الله أن ذكره بها في مقام نسيانه لها .

                                                          والتذكير الثاني هو بما أنزل الله من الكتاب والحكمة ; والكتاب هو القرآن الكريم ، والحكمة هي السنة النبوية كما فسرها الشافعي رضي الله عنه ، وهو تفسير حكيم نقبله ; لأن العطف يقتضي المغايرة ، فلا بد أن تكون الحكمة غير الكتاب ; ولا شيء نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الكتاب غير ما اشتملت عليه السنة من أحكام ; فما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى والحكمة معناها العلم النافع الذي يتجه إلى ناحية العمل الذي به تنضبط النفس ، وذلك يتلاقى مع السنة النبوية ، فكانت جديرة بهذه التسمية ; لأنها تفصل الأحكام العملية الجزئية ، وترشد إلى تنفيذ ما اشتمل عليه القرآن الكريم من قواعد كلية ، ونظم جامعة .

                                                          [ ص: 799 ] والتذكير بالكتاب والسنة هو تذكير بأمرين يجب أن يكونا في ذاكرة كل مؤمن ، فهو تذكير زاجر ، ولذا قال سبحانه وتعالى : يعظكم فالوعظ تذكير فيه زجر وتخويف ; ولذلك قال الخليل بن أحمد في تعريف الوعظ : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب " . والضمير في يعظكم يعود على المذكور من الكتاب والسنة ، وجعل الضمير واحدا ; لأنهما في مؤداهما وغايتهما شيء واحد ; وإن السنة ليست إلا تابعة للكتاب ، منه أخذت قوتها وسلطانها ، إذ قال تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا

                                                          وقد قال تعالى في ختام الآية : واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم بعد أن بين سبحانه العواقب الوخيمة لمن يعبث بالحياة الزوجية ، ويجعلها مضارة وعداوة ، لا مودة فيها ولا خير ، وذكر بنعمة الله عليه في أحكامه وشرعية الزواج ، وبين مغبة العبث بالأحكام ، بعد هذا كله حذر وأنذر ، فأمر بتقوى الله سبحانه وتعالى بأن يجعل بينه وبين غضب الله سبحانه وتعالى وعذابه وقاية ، وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه ; وإن تربية معاني التقوى في النفس تجعلها تدرك الخير والشر ، وتمنعها من أن يتأشب إدراكها نوازع من الهوى والعبث ; لأن التقوى تربي المهابة من الله والخوف منه ، وتجعلها تذكر عقابه .

                                                          ثم وصل سبحانه بالتهديد إلى أقصى الغاية ببيان علمه الكامل بكل شيء فقال : واعلموا أن الله بكل شيء عليم فإنه سبحانه يعلم ما تخفي الصدور ، وما تطويه النيات ، وما تكنه السرائر ، ثم إن التذكير بعلم الله فوق أنه إنذار أي إنذار ، فيه بيان أن المصلحة فيما يشرع من أحكام ، وما يبين من نظم ، لأنه على قدر العلم يكون الإحكام ، وعلى قدر الإحاطة يكون الإتقان ، فهذا التنزيل فيه حث على الطاعة ، كما أن فيه إنذارا بالمخالفة ; والله سبحانه الهادي إلى سواء السبيل .

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية