الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          باب ( الغسل ) بالضم : الاغتسال ، والماء يغتسل به ، وبالفتح : مصدر غسل ، وبالكسر : ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره . وشرعا ( استعمال ماء طهور مباح في جميع بدنه ) أي المغتسل ( على وجه مخصوص ) يأتي بيانه .

                                                                          والأصل في مشروعيته قوله تعالى { : وإن كنتم جنبا فاطهروا } مع ما يأتي من السنة مفصلا ، سمي ( جنبا ) لنهيه أن يقرب مواضع الصلاة ، أو لمجانبته الناس ، حتى يتطهر ، أو لأن الماء جانب محله ، ويطلق على الواحد فما فوقه جنب ، وقد يقال : جنبان وجنبون ( وموجبه ) أي الحدث الذي يوجب الغسل باعتبار أنواعه ( سبعة )

                                                                          أحدها ( انتقال مني ) فيجب الغسل بمجرد إحساس الرجل بانتقال منيه عن صلبه ، والمرأة بانتقاله عن ترائبها ، لأن الجنابة تباعد الماء عن مواضعه . وقد وجد ذلك ; ولأن الغسل تراعى فيه الشهوة . وقد وجدت بانتقاله أشبه ما لو ظهر ( فلا يعاد غسل له بخروجه ) أي المني ( بعد ) الغسل لأن الوجوب تعلق بالانتقال ، وقد اغتسل له . فلم يجب عليه غسل ثان . كبقية مني خرجت بعد الغسل . وليس عليه إلا الوضوء ، بال أو لم يبل . نصا .

                                                                          ( ويثبت به ) أي انتقال مني ( حكم بلوغ وفطر وغيرهما ) كوجوب كفارة ، قياسا على وجوب الغسل ( وكذا ) أي كانتقال مني ( انتقال حيض ) قاله الشيخ تقي الدين . فيثبت بانتقاله ما يثبت بخروجه فإذا أحست بانتقال حيضها قبل الغروب وهي صائمة أفطرت ولو لم يخرج الدم إلا بعده ( الثاني : خروجه ) أي المني ( من مخرجه ) المعتاد .

                                                                          ( ولو ) كان المني ( دما ) أي أحمر كالدم للعمومات . ولخروج المني من جميع البدن وضعفه بكثرته ، جبر بالغسل ( وتعتبر لذة ) أي وجوها ، لوجوب الغسل بخروج المني ( في غير نائم ونحوه ) كمغمى عليه وسكران . قال في شرحه : ويلزم من وجود اللذة أن يكون دفقا ، فلهذا استغنينا عن ذكر الدفق باللذة .

                                                                          ( فلو ) خرج المني من غير مخرجه أو من يقظان بغير لذة ، لم يجب الغسل وهو نجس كما في الرعاية ، أو ( جامع وأكسل فاغتسل ثم أنزل بلا لذة لم [ ص: 80 ] يعد ) الغسل ; لأنها جنابة واحدة فلا توجب غسلين ( وإن أفاق نائم ونحوه ) كمغمى عليه بالغ أو ممكن بلوغه ( وجد ) ببدنه أو ثوبه .

                                                                          قال أبو المعالي والأزجي : لا بظاهره لاحتماله من غيره ( بللا فإن تحقق أنه مني اغتسل ) وجوبا ولو لم يذكر احتلاما

                                                                          . قال الموفق : ولا نعلم فيه خلافا ( فقط ) أي دون غسل ما أصابه لطهارة المني . وإن تحقق أنه مذي غسله ولم يجب غسل ( وإلا ) أي وإن لم يتحقق أنه مذي ولا مني ( ولا سبب ) سبق نومه من ملاعبة ، أو نظر أو فكر أو نحوه ، أو كان به إبردة اغتسل وجوبا ( وطهر ما أصابه ) البلل من بدن أو ثوب ( أيضا ) احتياطا .

                                                                          فإن تقدم نومه سبب مما سبق لم يجب الغسل لأن الظاهر أنه مذي لوجود سببه ، إن لم يذكر احتلاما . وإلا وجب الغسل نصا ( ومحل ذلك ) أي ما تقدم فيما إذا وجد نائم ونحوه بللا ( في غير النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يحتلم ) لأنه لا ينام قلبه ; ولأن الحلم من الشيطان . ومحله أيضا : إذا كان البلل بثوبه إذا كان الثوب لا ينام فيه غيره ممن يحتلم . فإن كان كذلك فلا غسل على واحد منهما بعينه . لكن لا يأتم أحدهما بالآخر ولا يصافه وحده .

                                                                          فإن أرادا ذلك اغتسلا . ومن وجد منيا بثوب لا ينام فيه غيره اغتسل . وأعاد الصلاة من آخر نومة نامها فيه . ولا غسل بحلم بلا إنزال . وإن أنزل فعليه الغسل من حين أنزل إن كان بشهوة ، وإلا تبين وجوبه من الاحتلام ، لوجوبه بالانتقال فيعيد ما صلى بعد الانتباه ( الثالث ) التقاء الختانين ، أي تقابلهما وتحاذيهما بتغييب الحشفة في الفرج ، لا إن تماسا بلا إيلاج .

                                                                          فلذا قال ( تغييب حشفته ) أي الذكر ويقال لها الكمرة ولو لم يجد بذلك حرارة ( الأصلية ) فلا غسل بتغييب حشفة زائدة أو من خنثى مشكل لاحتمال الزيادة ( أو ) تغييب ( قدرها ) أي الحشفة من مقطوعها ( بلا حائل ) لانتفاء التقاء الختانين مع الحائل ، لأنه هو الملاقي للختان ( في فرج أصلي ) متعلق بتغييب فلا غسل بتغييب حشفة أصلية في قبل زائد أو قبل خنثى مشكل لاحتمال زيادته ( ولو ) كان الفرج الأصلي ( دبرا ) أو كان الفرج الأصلي ( لميت ) لعموم الخبر ( أو ) كان ( بهيمة ) حتى سمكة .

                                                                          قاله في التعليق لأنه فرج أصلي . أشبه الآدمية ( ممن يجامع مثله ) وهو ابن عشر وبنت تسع ( ولو ) كان ( نائما أو مجنونا ) أو نحوه ( أو لم يبلغ ) كالحدث الأصغر بنقض الوضوء في حق الصغير والكبير . ومعنى الوجوب في حق من لم يبلغ : أن الغسل شرط لصحة صلاته ونحوها ، لا التأثيم بتركه لأنه غير مكلف .

                                                                          ( فيلزم ) [ ص: 81 ] الغسل من لم يبلغ إن كان يجامع مثله ، ووجد سببه ( إذا أراد ما يتوقف على غسل ) كقراءة ( أو ) ما يتوقف على ( وضوء ) كصلاة وطواف ومس مصحف ( لغير لبث بمسجد ) فإن أراده كفاه الوضوء كالبالغ ويأتي .

                                                                          وكذا يلزم مميزا وضوء واستنجاء إذا وجد سببهما بمعنى توقف صحة صلاته على ذلك ( أو مات ولو شهيدا ) فيغسل لوجوب الغسل عليه قبل موته ( واستدخال ذكر أحد من ذكر ) من نائم ، ونحوه : مجنون وغير بالغ وميت وبهيمة ( كإتيانه ) فيجب على امرأة استدخلت ذكر نائم أو صغير ، ولو طفلا أو مجنون أو ميت ولو طفلا ونحوهم : الغسل لعموم " إذا التقى الختانان وجب الغسل " ويعاد غسل ميتة جومعت ومن جومع في دبره لا غسل ميت استدخل ذكره .

                                                                          ومن قالت : بي جني يجامعني كالرجل ، فعليها الغسل ( الرابع : إسلام كافر ) ذكر وأنثى أو خنثى ، لحديث { قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه ( ولو ) كان الكافر ( مرتدا ) لمساواته الأصلي في المعنى ، وهو الإسلام ، فوجب مساواته له في الحكم ( أو ) كان الكافر ( لم يوجد منه في كفره ما يوجبه ) أي الغسل إقامة للمظنة مقام حقيقة الحدث .

                                                                          وإذا كان يوجد منه في كفره ما يوجبه ، كفاه غسل الإسلام عنه . قال أحمد : ويغسل ثيابه . قال بعضهم : إن قلنا بنجاستها وجب وإلا استحب ( أو ) كان ( مميزا ) وأسلم لأن الإسلام موجب ، فاستوى فيه الكبير والصغير كالحدث الأصغر ( ووقت لزومه ) أي الغسل للمميز ( كما مر ) أي إذا أراد ما يتوقف على غسل أو وضوء لغير لبث بمسجد ، أو مات شهيدا .

                                                                          ( الخامس : خروج حيض ) ويأتي في بابه ، وانقطاعه عنه شرط لصحة الغسل له ، فتغسل إن استشهدت قبل انقطاعه ( السادس : خروج دم نفاس ) وانقطاعه شرط لصحة الغسل له ، قال في المغني : لا خلاف في وجوب الغسل بهما ( فلا يجب ) الغسل ( بولادة عرت عنه ) أي الدم ، ولا يحرم بها وطء . ولا يفسد صوم ، ولا بإلقاء علقة أو مضغة لأنه لا نص فيه ، ولا هو في معنى المنصوص عليه ، والولد طاهر . ومع الدم يجب غسله ( السابع : الموت ) لقوله عليه الصلاة والسلام " اغسلنها " وغيره من الأحاديث الآتية في محله ( تعبدا ) لا عن حدث ، لأنه لو كان عنه لم يرتفع مع بقاء سببه ، ولا عن نجس ، وإلا لما طهر مع بقاء سببه ( غير شهيد معركة أو مقتول ظلما ) فلا يغسلان ، ويأتي في محله

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية