قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=28993_29437_28675ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ، بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أن من أشرك بالله غيره أي ومات ولم يتب من ذلك فقد وقع في هلاك ، لا خلاص منه بوجه ولا نجاة معه بحال ، لأنه شبهه بالذي خر : أي سقط من السماء إلى الأرض ، فتمزقت أوصاله ، وصارت الطير تتخطفها وتهوي بها الريح فتلقيها في مكان سحيق : أي محل بعيد لشدة هبوبها بأوصاله المتمزقة ، ومن كانت هذه صفته فإنه لا يرجى له خلاص ولا يطمع له في نجاة ، فهو هالك لا محالة ; لأن من خر من السماء إلى الأرض لا يصل الأرض عادة إلا متمزق الأوصال ، فإذا خطفت الطير أوصاله وتفرق في حواصلها ، أو ألقته الريح في مكان بعيد فهذا هلاك محقق لا محيد عنه ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من هلاك من أشرك بالله وأنه لا يرجى له خلاص ، جاء موضحا في مواضع أخر كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=72إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار الآية [ 5 \ 73 ] ، وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=50قالوا إن الله حرمهما على الكافرين [ 7 \ 50 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية [ 4 \ 48 ] في الموضعين من سورة النساء ، والخطف : الأخذ بسرعة والسحيق : البعيد ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=11فسحقا لأصحاب السعير [ 67 \ 11 ] [ 67 \ 11 ] أي بعدا لهم .
وقد دلت آيات أخر على أن محل هذا الهلاك الذي لا خلاص منه بحال الواقع بمن
[ ص: 257 ] يشرك بالله ، إنما هو في حق من مات على ذلك الإشراك ، ولم يتب منه قبل حضور الموت ، أما من تاب من شركه قبل حضور الموت ، فإن الله يغفر له ; لأن الإسلام يجب ما قبله .
والآيات الدالة على ذلك متعددة كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ 8 \ 38 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات الآية [ 25 \ 68 - 70 ] وقوله في :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة [ 5 \ 73 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=74أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم [ 5 \ 74 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا الآية [ 20 \ 2 8 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، وأما إن كانت توبته من شركه عند حضور الموت ، فإنها لا تنفعه .
وقد دلت على ذلك آيات من كتاب الله ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار [ 4 \ 18 ] فقد دلت الآية على التسوية بين
nindex.php?page=treesubj&link=19722_19727الموت على الكفر والتوبة منه ، عند حضور الموت وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=84فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا [ 40 \ 84 - 85 ] وكقوله في فرعون :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=91آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين [ 10 \ 90 - 91 ] وقرأ هذا الحرف
نافع فتخطفه بفتح الخاء وتشديد الطاء أصله : فتتخطفه الطير بتاءين فحذفت إحداهما وقرأه غيره من السبعة فتخطفه الطير بإسكان الخاء وتخفيف الطاء مضارع خطفه بالكسر .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=28993_29437_28675وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ، بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ غَيْرَهُ أَيْ وَمَاتَ وَلَمْ يَتُبْ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي هَلَاكٍ ، لَا خَلَاصَ مِنْهُ بِوَجْهٍ وَلَا نَجَاةَ مَعَهُ بِحَالٍ ، لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالَّذِي خَرَّ : أَيْ سَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، فَتَمَزَّقَتْ أَوْصَالُهُ ، وَصَارَتِ الطَّيْرُ تَتَخَطَّفُهَا وَتَهْوِي بِهَا الرِّيحُ فَتُلْقِيهَا فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ : أَيْ مَحَلٍّ بَعِيدٍ لِشِدَّةِ هُبُوبِهَا بِأَوْصَالِهِ الْمُتَمَزِّقَةِ ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُرْجَى لَهُ خَلَاصٌ وَلَا يُطْمَعُ لَهُ فِي نَجَاةٍ ، فَهُوَ هَالِكٌ لَا مَحَالَةَ ; لِأَنَّ مَنْ خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ لَا يَصِلُ الْأَرْضَ عَادَةً إِلَّا مُتَمَزِّقَ الْأَوْصَالِ ، فَإِذَا خَطَفَتِ الطَّيْرُ أَوْصَالَهُ وَتَفَرَّقَ فِي حَوَاصِلِهَا ، أَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ فَهَذَا هَلَاكٌ مُحَقَّقٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ هَلَاكِ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَأَنَّهُ لَا يُرْجَى لَهُ خَلَاصٌ ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=72إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ الْآيَةَ [ 5 \ 73 ] ، وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=50قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [ 7 \ 50 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الْآيَةَ [ 4 \ 48 ] فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ ، وَالْخَطْفُ : الْأَخْذُ بِسُرْعَةٍ وَالسَّحِيقُ : الْبَعِيدُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=11فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [ 67 \ 11 ] [ 67 \ 11 ] أَيْ بُعْدًا لَهُمْ .
وَقَدْ دَلَّتْ آيَاتٌ أُخَرُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْهَلَاكِ الَّذِي لَا خَلَاصَ مِنْهُ بِحَالِ الْوَاقِعِ بِمَنْ
[ ص: 257 ] يُشْرِكُ بِاللَّهِ ، إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ الْإِشْرَاكِ ، وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ ، أَمَّا مَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ .
وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ مُتَعَدِّدَةٌ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [ 8 \ 38 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=70إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ الْآيَةَ [ 25 \ 68 - 70 ] وَقَوْلِهِ فِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=73الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [ 5 \ 73 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=74أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ 5 \ 74 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا الْآيَةَ [ 20 \ 2 8 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ تَوْبَتُهُ مِنْ شِرْكِهِ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ .
وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [ 4 \ 18 ] فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=19722_19727الْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ ، عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=84فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [ 40 \ 84 - 85 ] وَكَقَوْلِهِ فِي فِرْعَوْنَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=91آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [ 10 \ 90 - 91 ] وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ
نَافِعٌ فَتَخَطَّفُهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَصْلُهُ : فَتَتَخَطَّفُهُ الطَّيْرُ بِتَاءَيْنِ فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَرَأَهُ غَيْرُهُ مِنَ السَّبْعَةِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الطَّاءِ مُضَارِعُ خَطِفَهُ بِالْكَسْرِ .