الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وكان ابن عمر يتقدم الصيام بيوم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلف الناس في صيام يوم الشك على خمسة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : ما ذهب إليه الشافعي أن صومه مكروه ، سواء صامه فرضا أو نفلا أو كفارة أو نذرا إلا أن يصله بما قبله ، أو يوافق يوما كان يصومه ، فلا يكره له ، وبه قال من الصحابة : عمر وعلي وعمار بن ياسر رضي الله عنهم ، ومن التابعين : الشعبي والنخعي ، ومن الفقهاء : مالك والأوزاعي .

                                                                                                                                            [ ص: 410 ] والمذهب الثاني : أن صومه غير مكروه في الفرض والنفل ، وهو مذهب عائشة وأسماء رضي الله عنهما .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : أنه إن كان صحوا فصومه مكروه ، وإن كان غيما صامه عن رمضان ، وبه قال عبد الله بن عمر وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما .

                                                                                                                                            والمذهب الرابع : أن الناس في صومهم تبع لإمامهم إن صام صاموه ، وإن أفطر أفطروه وبه قال الحسن وابن سيرين .

                                                                                                                                            والمذهب الخامس : إن صامه عن فرض رمضان لم يجز ، وإن صامه نافلة جاز ولم يكره وبه قال أبو حنيفة ، واستدل من أجاز صومه في الجملة على اختلاف مذاهبهم فيه ، بما روي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : " لأن أصوم يوما من شعبان ، أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان " فقد اختار صومه ، واستحبه قال وقد روي عن ابن عمر أنه كان يتقدم الصيام بيوم قالوا : ولما فيه من الاحتياط لجواز أن يكون من رمضان قالوا : ولأن صومه كالنفل قبل الفريضة فاقتضى أن يكون مستحبا كالصلوات ، ولأنه صوم يوم من شعبان ، فلا يكن فيه مكروها كسائر أيامه . ودليلنا على كراهة صومه رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقدموا الشهر بصوم يوم ولا يومين إلا أن يوافق صوما كان يصومه أحدكم ، لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين " وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقدموا الشهر بصوم يوم أو يومين لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن حال سحابة أو غمامة فعدوا ثلاثين " وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام ستة أيام : يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ويوم الشك وروى أبو هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا انتصف الشهر فلا تصوموا حتى يكون رمضان " روي عن عمار بن ياسر أنه قال : " من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم " ولأن شهر رمضان بين يومين يوم شك ويوم فطر ، ثم تقرر أنه ممنوع من صيام يوم الفطر فكذلك يوم الشك ، فأما ما استدلوا به من حديث علي رضي الله عنه فإنما صامه ؛ لأن شاهدا شهد بالهلال عنده كذا روت فاطمة بنت الحسين ، وكذا نقول ، وأما صيام ابن [ ص: 411 ] عمر فلأنه وافق يوما كان يصومه ، بدليل ما روي عنه أنه قال : " لو صمت الدهر لأفطرت يوم الشك " وما ذكره من الاحتياط فغير صحيح ؛ لأنه دخول في العبادة مع الشك ، وأما قولهم أن التنفل قبل الفرض ، قلنا : يفسد عليكم بوقت الهاجرة إذا استوت الشمس للزوال ، وعند الغروب فإن التنفل فيهما مكروه ، وإن كان تنفلا قبل الفريضة .

                                                                                                                                            وأما قياسهم على سائر أيام الشهر فغير صحيح .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية