الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بما أزال الشبهة في أمره ، وكشف الغمة ، وبرأ المسيح وأمه مما افتراه ( من افتراء اليهود لعنهم الله وبهتهم وكذبهم ، وتنزه رب العالمين وخالق المسيح وأمه مما افتراه ) عليه المثلثة عباد الصليب الذين سبوه أعظم السب قاتلهم الله . وأنزل أخاه المسيح بالمنزلة التي أنزله الله بها ، وهي أشرف منازله ، [ ص: 538 ] فآمن به وصدقه ، وشهد له بأنه عبد الله ورسوله وروحه ، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول الطاهرة الصديقة سيدة نساء العالمين في زمانها ، وقرر معجزات المسيح وآياته ، وأخبر عن ربه تعالى بتخليد من كفر بالمسيح في النار ، وأن ربه تعالى أكرم عبده ورسوله ونزهه وصانه أن ينال إخوان القردة أمة الغضب منه ما زعمته النصارى أنهم نالوه منه ، بل رفعه الله إليه مؤيدا منصورا لم يشكه أعداؤه بشوكة ، ولا نالته أيديهم بأذى ، فرفعه الله إليه وأسكنه سماءه وسيعيده إلى الأرض ينتقم به من مسيح الضلال وأتباعه ، ثم يكسر الصليب ، ويقتل به الخنزير ، ويعلي به الإسلام ، وينصر به ملة أخيه وأولى الناس به محمد صلى الله عليه وسلم .

فإذا وضع هذا القول في المسيح في كفة ، وقول عباد الصليب المثلثة في كفة ، تبين لكل من له أدنى مسكة من عقل ، ما بينهما من التفاوت ، وأن تفاوتهما كتفاوت ما بينه وبين قول المغضوب عليهم فيه ، وبالله التوفيق .

فلولا محمد صلى الله عليه وسلم لما عرفنا أن المسيح ابن مريم الذي هو رسول الله وعبده وكلمته وروحه موجود أصلا ، فإن هذا المسيح الذي أثبته اليهود من شرار خلق الله ليس بمسيح الهدى . والذي أثبته النصارى من أبطل الباطل لا يمكن وجوده في عقل ولا فطرة . ويستحيل أن يدخل في الوجود أعظم استحالة ، ولو أمكن وجوده لبطلت أدلة العقول ، ولم يبق لأحد ثقة بمعقول أصلا ، فإن استحالة وجوده فوق استحالة جميع المحالات ، ولو صح ما يقولون لبطل العالم واضمحلت السماوات والأرض ، وعدمت الملائكة والعرش والكرسي ، ولم يكن بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار .

ولا يستعجب من إطباق أمة الضلال ، الذين شهد الله أنهم أضل من الأنعام على ذلك ، فكل باطل في الوجود ينسب إلى أمة من الأمم فإنها مطبقة عليه ، وقد تقدم ذكر [ ص: 539 ] إطباق الأمم العظيمة التي لا يحصيها إلا الله عز وجل على الكفر والضلال بعد معاينة الآيات البينات ، فلعباد الصليب أسوة بإخوانهم من أهل الشرك والضلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية