الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 91 ]

فصل

وأما قول القائل: "الغوث الذي تنتهي إليه حوائج الخلق"، فحوائج الخلق لا تنتهي إلا إلى الله، كما قال سبحانه: وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ، وقال تعالى: ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ، وقال تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا . قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون الملائكة والمسيح والعزير، فأنزل الله هذه الآية .

وقال تعالى: أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا . وأفضل الخلق: الرسل، والله سبحانه [ ص: 92 ] بعثهم مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وجعلهم سفراء بينه وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وسائر كلامه سبحانه وتعالى.

ولم يضمن الرسل للخلق لا رزقا ولا نصرا ولا هدى، بل قال أولهم نوح: قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك ، وأمر خاتمهم وأفضلهم- صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم تسليما -أن يقول ذلك، فقال: قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ، وقال له: إنك لا تهدي من أحببت ، وقال له: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم ، وقال له: فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ، وقال: إنما أنت منذر ، لست عليهم بمصيطر . [ ص: 93 ]

فقول القائل: "إن حوائج الخلق تنتهي إليه"، إن أراد به ما يحتاج إليه الخلق من الرزق والهدى والرزق يحدثه الله بواسطته، فقد جعل بين الله [و] بين خلقه ربا متوسطا، كما يزعمه المتفلسفة في العقل الفعال، وهو كفر صريح بإجماع أهل الملل.

ثم إنه من أظهر الكذب، فإن أفضل الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبعده أولو العزم كإبراهيم وموسى وعيسى، ونحن نعلم قطعا أن عامة ما كان الله يحدثه في زمانهم لم يكونوا متسببين فيه، ولا كانوا يعلمون به، وقد قال الخضر لموسى لما نقر العصفور في البحر: "ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر" فإذا كان هذا في العلم الذي لا تأثير معه، فكيف بالتأثير في الملك.

التالي السابق


الخدمات العلمية