الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا

                                                                                                                                                                                                "ينسفها " : يجعلها كالرمل ، ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذري الطعام ، "فيذرها " ، أي : فيذر مقارها ومراكزها ، أو يجعل الضمير للأرض ، وإن لم يجر لها ذكر ؛ كقوله تعالى : ما ترك على ظهرها من دابة [فاطر : 45 ] .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : قد فرقوا بين العوج والعوج ، فقالوا : العوج بالكسر : في المعاني ، والعوج بالفتح : في الأعيان ، والأرض عين ، فكيف صح فيها المكسور العين ؟

                                                                                                                                                                                                [ ص: 110 ] قلت : اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة ، ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون ؛ وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة ، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط ، ثم استطلعت رأي المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية ؛ لعثر فيها على عوج في غير موضع ، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسي ، فنفى الله -عز وعلا- ذلك العوج الذي دق ولطف عن الإدراك ، اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة ؛ وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني ، فقيل فيه : عوج بالكسر ، الأمت : النتو اليسير ، يقال : مد حبله حتى ما فيه أمت .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية