الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 386 ] فصل وإن كان عليه حق لإنسان فادعى رجل أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه ، وإن كذبه لم يستحلف ، وإن دفعه إليه ، فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف ورجع على الدافع وحده ، وإن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها ، وإن تلفت فله تضمين من شاء منهما ، ولا يرجع من ضمنه على الآخر وإن ادعى أن صاحب الحق أحاله به ، ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار وجهان ، وإن ادعى أنه مات ، وأنا وارثه ، لزمه الدفع إليه مع التصديق ، واليمين مع الإنكار .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وإن كان عليه حق لإنسان فادعى رجل أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه ) ، لأن عليه فيه منعه لجواز أن ينكر الموكل الوكالة فيستحق الرجوع عليه ، اللهم إلا أن تقوم به بينة وسواء كان الحق في ذمته ، أو وديعة عنده ( وإن كذبه لم يستحلف ) لعدم فائدة استحلافه ، وهو الحكم عليه بالنكول ( وإن دفعه إليه ، فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف ) أي : الموكل ، لأنه يحتمل صدق الوكيل فيها ( ورجع على الدافع وحده ) ، لأن حقه في ذمته ، ولم يبرأ منه بتسليمه وكيله ويرجع الدافع على الوكيل مع بقائه ، أو تعديه ، وظاهره أنه إذا صدق الوكيل برئ الدافع ( وإن كان المدفوع وديعة فوجدها ) صاحبها ( أخذها ) ، لأنها عين حقه ( وإن تلفت فله تضمين من شاء منهما ) أي : من الدافع ، والقابض ، لأن الدافع ضمنها بالدفع ، والقابض قبض ما لا يستحقه ( ولا يرجع من ضمنه على الآخر ) ، لأن كل واحد منهما يدعي أن ما يأخذه المالك ظلم ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه تعد ، فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره إلا أن يكون الدافع دفعها إلى الوكيل من غير تصديق فيرجع على الوكيل ، ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا لكونه لم يقر بوكالته ، ولم يثبت ببينة قال : ومجرد التسليم ليس تصديقا ، ثم قال : وإن صدقه ضمن في أحد القولين في مذهب أحمد بل نصه ، لأنه متى لم يتبين صدقه ، فقد غره . نقل مهنا فيمن بعث إلى من عنده دنانير ، أو ثياب يأخذ دينارا ، أو ثوبا فأخذ أكثر ، فالضمان على الباعث يعني الذي أعطاه ويرجع هو بالزيادة على الرسول ، وهو ظاهر كلام أبي بكر .

                                                                                                                          [ ص: 387 ] ( وإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله به ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق ، واليمين مع الإنكار وجهان ) كذا في " المحرر " أحدهما : وهو الأولى ، والأشبه أنه لا يلزمه ذلك ، لأن الدفع مبرئ لاحتمال أن ينكر المحيل الحوالة فهو كدعوى الوكالة ، والوصية ، والثاني : يلزمه الدفع إليه ، لأنه معترف أن الحق انتقل إليه ، أشبه الوارث ، ورد بأن وجوب الدفع إلى الوارث كونه مستحقا ، والدفع إليه مبرئ ، بخلافه هنا فإلحاقه بالوكيل أولى ووجوب اليمين مع الإنكار وعدمه مخرج على وجوب الدفع مع التصديق ولهذا عطفه عليه وتقبل بينة المحال عليه على المحيل ، فلا يطالبه وتعاد لغائب محتال بعد دعواه فيقضي بها له إذن .

                                                                                                                          ( وإن ادعى أنه مات ، وأنا وارثه لزمه الدفع إليه مع التصديق ) ، لأنه لا وارث له سواه بغير خلاف نعلمه ، لأنه مقر له بالحق ، وأنه يبرأ بهذا الدفع فلزمه ، كما لو جاء صاحب الحق ( واليمين مع الإنكار ) أي : على نفي العلم ، لأنها على نفي فعل الغير ، وإنما لزمته هنا ، لأن من لزمه الدفع مع الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار كسائر الحقوق المالية .

                                                                                                                          مسائل : الأولى : قال أحمد : إذا دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه فوهب له المشتري منديلا فالمنديل لصاحب الثوب ، وقال في رجل وكل آخر في اقتضاء دين وغاب فأخذ الوكيل به رهنا فتلف الرهن في يد الوكيل أساء في أخذه ، ولا ضمان عليه ، وقال في رجل أعطى آخر دراهم يشتري بها شيئا فخلطها بدراهمه فضاعا ، فلا شيء عليه ، وقال القاضي : إن خلطها بما لا يتميز ضمنها إن كان بغير إذنه كالوديعة .

                                                                                                                          [ ص: 388 ] الثانية : الوكالة ، والعزل لا يثبت بخبر الواحد ، وقيل : بلى ، فعلى الأول إن أخبر بتوكيل وظن صدقه تصرف بشرط الضمان إن أنكر الموكل ، وقال الأزجي : إذا تصرف بناء على هذا الخبر فهل يضمن فيه وجهان .

                                                                                                                          الثالثة : إذا شهد بها اثنان ، ثم قال أحدهما : عزله لم تثبت وكالته ويتوجه : بلى كقوله بعد الحكم بصحتها وكقول واحد غيرهما ، فلو قالا : عزله ثبت العزل ، ولو أقاما الشهادة حسبة بلا دعوى الوكيل فشهدا عند حاكم أن فلانا الغائب وكل هذا ، فإن اعترف ، أو قال : ما علمت هذا ، وأنا أتصرف عنه ثبتت الوكالة وعكسه ما لم أعلم صدقه ، وإن أطلق طولب بالتفسير .

                                                                                                                          تم بعونه تعالى الجزء الرابع من المبدع في شرح المقنع ويليه الجزء الخامس وأوله كتاب الشركة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية