الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولئن أذقناه نعماء من فضلنا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان استملاكه العارية طبعا له، لا ينفك عنه إلا بمعونة شديدة من الله. دل عليه بما أفهم أنه لو كان طول عمره في الضر ثم نال حالة [ ص: 243 ] يرضاها عقب زمن الضر سواء بادر إلى اعتقاد أنها هي الحالة الأصلية له وأنها لا تفارقه أصلا ولا يشوبها نوع ضرر ولا يخالط صفوها شيء من كدر فقال دالا على اتصال زمن الضر بالقول بنزع الخافض من الظرف: بعد ضراء أي: فقر شديد مضر ببدنه، ولم يسند المس إليه سبحانه كما فعل في النعماء تعليما للأدب فقال: مسته أي: بما كسبت يداه ليقولن مع قرب عهده بالضراء خفة وطيشا ذهب السيئات أي: كل ما يسوءني عني وقوله: إنه الضمير فيه للإنسان، المعنى أن الإنسان. فهي كلية مشهورة بمستغرق، أي أن كل إنسان لفرح فخور أي: خارج عن الحد في فرحه شديد الإفراط في فخره على غيره بكل نعمة تفضل الله عليه بها. [لا يملك ضر نفسه ومنعها من ذلك] فلذا اتصل [بها] قوله مستثنيا من الإنسان المراد به اسم الجنس: إلا الذين صبروا في وقت الشدائد وزوال النعم رجاء لمولاهم وحسن ظن به بسبب إيمانهم الموجب لتقيدهم بالشرع وعملوا الصالحات [أي] من أقوال الشكر وأفعاله عند حلول النعم، فهم دائما مشغولون بمولاهم شكرا وصبرا، [وهم الذين أتم عليهم سبحانه نعمه، وخلقهم في أحسن تقويم. وهم أقل من القليل لعظيم جهادهم لنفوسهم [ ص: 244 ] فيما جبلت عليه من الحظوظ والشهوات وغيرها وشياطينهم.]

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كأنه قيل: فما لهم لم يكونوا كذلك! أنتج السياق مدحهم فقال: أولئك أي العالو المراتب لهم مغفرة إذا وقعت منهم هفوة وأجر كبير على صبرهم وشكرهم; والذوق: تناول الشيء بالفم لإدراك الطعم كما أن الشم ملابسة الشيء الأنف لإدراك الرائحة; والنزع: رفع الشيء عن غيره مما كان مشابكا له كالقلع \ والقشط; واليأس: القطع بأن الشيء لا يكون، وهو ضد الرجاء، ويئوس: كثير اليأس، وهو ذم لأنه للجهل بسعة الرحمة الموجبة لقوة الأمل في كل ما يجوز في الحكمة فعله; والنعماء: إنعام يظهر أثره على صاحبه، كما أن الضراء مضرة تظهر الحال بها، لأنها أخرجت مخرج الأحوال الظاهرة من حمراء وعوراء مع ما في مفهومها من المبالغة; والسيئة: ما يسوء من جهة نفور طبع أو عقل، وهي هنا المرض والفقر ونحوه; والفرح: انفتاح القلب بما يلتذ به; وعبارة البغوي : هو لذة في القلب بنيل المشتهى وهو أعظم من ملاذ الحواس; والفخر: التطاول بتعديد المناقب; والصبر: حبس [النفس] عن المشتهى من المحارم ونحوها، والصبر على مر الحق يؤدي إلى الفوز في الآخرة مع ما فيه من جمال في الدنيا; والكبير واحد يقصر مقدار غيره عنه; والكثير: جمع يزيد على عدد غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية