الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          مدين وشعيب

                                                          وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن [ ص: 3738 ] نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود

                                                          * * *

                                                          قال تعالى:

                                                          وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط

                                                          وإلى مدين معطوف على ما قبله من قوم صالح، أخاهم شعيبا ذكر أنه أخوهم لأن الرسول يكون من قومه، ومن ذؤابتهم، وفي كلمة وإلى مدين الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف، أي: أرسلنا إلى مدين، لأن عطف النسق يكون على نية تكرار الفاعل.

                                                          وقد اتجه شعيب إلى قومه يناديهم بنداء الرابطة الواصلة بينه وبينهم الدالة على المحبة المتبادلة بقوله: (يا قوم) ويطلب إليهم الإيمان بوحدانية الله التي تتجلى في عبادته وحده: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره وكلمة (من) [ ص: 3739 ] هنا لاستغراق النفي، أي: ما لكم أي إله غيره، أي: لا يوصف بالألوهية غيره; لأنه الخالق وحده ولأنه واحد في ذاته وفي صفاته ليس كمثله شيء.

                                                          وإذا كان قوم لوط قد اشتهروا بالفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين، فقد اشتهر آل مدين بالفساد في البيان والمعاملات والتطفيف في المكيال والميزان، ولذا نهاهم عن التطفيف بعد الأمر بعبادة الله وحده فقال تعالى: ولا تنقصوا المكيال والميزان

                                                          وعلل الرسول الكريم نهيه عن ذلك بقوله: إني أراكم بخير أي: أراكم في سعة من العيش وعندكم الرزق الوفير، فلستم في فقر يسول لكم أخذ حق غيركم، بل أنتم في سعة من الحلال فلا تمدوا أيديكم إلى الحرام، لكن الطمع يغريكم بأخذ حقوق غيركم، وإنه لا يردع من كانوا في هذه الحال إلا عذاب يوم القيامة الذي يحيط بكم إحاطة الدائرة تنتقلون فيها من عذاب إلى أشد منه هولا.

                                                          وبعد أن نهى عن تطفيف الكيل أمر بالوفاء تأكيدا إليه من حسن التعامل.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية