الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وقال بعضهم : التفرق بالأبدان في الصرف قبل القبض يبطل العقد - فمن المحال أن يكون ما يبطل العقد هو الذي يثبته .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا كلام في غاية الفساد ، ولا ننكر هذا إذا جاء به النص فقد وجدنا النقد وترك ، الأجل يفسد السلم عندهم ، ويصحح البيوع التي يقع فيها الربا حتى لا تصح إلا به .

                                                                                                                                                                                          فكيف والمعنى فيما راموا الفرق بينه واحد ؟ وهو أن المتصارفين لم يملكا شيئا ولا تبايعا أصلا قبل التقابض ، وكل متبايعين فلم يتم بينهما بيع أصلا قبل التفرق أو التخيير - متصارفين كانا أو غير متصارفين - فإن تفرق كل من ذكرنا بأبدانهم قبل ما يتم به البيع ، فمن كان قد عقد عقدا أبيح له تم له بالتفرق ، ومن كان لم يعقد عقدا أبيح له فليس ههنا شيء يتم له بالتفرق .

                                                                                                                                                                                          وقالوا أيضا : متعقبين لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم رادين عليه : المتبايعان إنما يكونان متبايعين ما داما في حال العقد لا بعد ذلك ، كالمتضاربين والمتقاتلين فمن المحال أن يكونا متبايعين متفاسخين معا ؟ قال أبو محمد : وهذا كلام من لا عقل له ، ولا علم ، ولا دين ، ولا حياء ; لأنه سفسطة باردة ، ونعم ، فإن المتبايعين لا يكونان متبايعين إلا في حين تعاقدهما لكن [ ص: 246 ] عقدهما بذلك ليس بشيء ولا يتم إلا بالتفرق أو التخيير بعد العقد ، كما أمر من لا يحرم دم أحد إلا باتباعه ، أو بجزية يغرمها - إن كان كتابيا - وهو صاغر .

                                                                                                                                                                                          ومن طريف نوادرهم احتجاجهم في معارضة هذا الخبر بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله } . قالوا : فالاستقالة لا تكون إلا بعد تمام البيع وصحة انتقال الملك .

                                                                                                                                                                                          قال علي : قبل كل شيء فهذا حديث لا يصح ولسنا ممن يحتج لنفسه بما لا يصح ، وقد أعاذنا الله تعالى من ذلك ، ولو صح لكان موافقا لقولنا ، إلا في المنع من المفارقة خوف الاستقالة فقط فلسنا نقول به ; لأن الخبر المذكور لا يصح ، ولو صح لقلنا بما فيه من تحريم المفارقة على هذه النية ، وليست الاستقالة المذكورة في هذا الخبر ما ظن هؤلاء الجهال ، وإنما هي فسخ النادم منهما للبيع - رضي الآخر أم كره - لأن العرب تقول استقلت من علتي ، واستقلت ما فات عني : إذا استدركه . والبرهان على صحة قولنا هذا وعلى فساد تأويلهم وكذبه هو أن المفارقة بالأبدان لا تمنع من الاستقالة التي حملوا الخبر عليها ، بل هي ممكنة أبدا ، ولو بعد عشرات أعوام ، فكان الخبر على هذا لا معنى له ولا حقيقة ، ولا فائدة . فصح أنها الاستقالة التي تمنع منها المفارقة بلا شك ، وهي التفرق بالأبدان الموجب للبيع ، المانع من فسخه ولا بد ، ولا يمكن غير هذا ، ولا يحتمل لفظ الخبر معنى سواه ألبتة . فصار هذا الخبر ثقلا عليهم على ثقل ، لأنهم صححوه وخالفوا ما فيه ، وأباحوا له مفارقته - خشي أن يستقيله أو لم يخش . قال علي : هذا كل ما موهوا به وكله عائد عليهم ومبدي تخاذل علمهم وقلة فهمهم ونحن - إن شاء الله تعالى - نذكر ما هو أقوى شبهة لهم ، ونبين حسم التعلق به لمن عسى أن يفعل ذلك - وبالله تعالى التوفيق . [ ص: 247 ] روينا من طريق البخاري قال : وقال الحميدي عن سفيان بن عيينة نا عمرو { عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت على بكر صعب لعمر فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : بعنيه ؟ قال : هو لك يا رسول الله ، قال : بعنيه ؟ فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت } قالوا فهذا بيع صحيح لا تفرق فيه وهبة لما ابتاع عليه السلام قبل التفرق بلا شك .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا خبر لا حجة لهم فيه لوجوه - : أولها - أنه وإن لم يكن فيه تفرق فيه التخيير بعد العقد ، وليس السكوت عنه بمانع من كونه ; لأن صحة البيع تقتضيه ولا بد - ولم يذكر في هذا الخبر ثمن أيضا ، فينبغي لهم أن يجيزوا البيع بغير ذكر ثمن أصلا ; لأنه لم يذكر فيه ثمن .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : لا بد من الثمن بلا شك ; لأن البيع لا يصح إلا به ؟ قلنا : ولا بد من التفرق أو التخيير ; لأن البيع لا يكون بيعا ، ولا يصح أصلا إلا بأحدهما ، ولا فرق بينهم في احتجاجهم بهذا الخبر في إسقاط حكم ما لم يذكر فيه من التخيير بعد العقد ، وبين من احتج به في البيع بالمحرمات ; لأنه لم يذكر فيه ثمن أصلا ، وهذه هبة لما ابتيع قبل القبض بخلاف رأي الحنفيين فهو حجة عليهم ، وكذلك القول في الإشهاد سواء سواء .

                                                                                                                                                                                          والوجه الثاني - أنه حتى لو صح لهم أنه لم يكن في هذا البيع تخيير ولا إشهاد أصلا وهو لا يصح أبدا - فمن لهم أن هذه القصة كانت بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر } ؟ وبعد أمر الله تعالى بالإشهاد ، ومن ادعى علم ذلك فهو كذاب أفك يتبوأ - إن شاء الله تعالى - مقعده من النار لكذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          فإن كان هذا الخبر قبل ذلك كله ؟ فنحن نقول : إن البيع حينئذ كان يتم بالعقد وإن لم يتفرقا ولا خير أحدهما الآخر ، وإن الإشهاد لم يكن لازما وإنما وجب كل ما ذكرنا [ ص: 248 ] حين الأمر به لا قبل ذلك ، وأما نحن فنقطع بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالف أمر ربه تعالى ، ولا يفعل ما نهى عنه أمته ، هذا ما لا شك فيه عندنا ، ومن شك في هذا أو أجاز كونه فهو كافر ، نتقرب إلى الله تعالى بالبراءة منه .

                                                                                                                                                                                          وكذلك نقطع بأنه عليه السلام لو نسخ ما أمرنا به لبينه حتى لا يشك عالم بسنته في أنه قد نسخ ما نسخ وأثبت ما أثبت .

                                                                                                                                                                                          ولو جاز غير هذا - وأعوذ بالله - لكان دين الإسلام فاسدا لا يدري أحد ما يحرم عليه مما يحل له مما أوجب ربه تعالى عليه حاش لله من هذا ، إن هذا لهو الضلال المبين الذي يكذبه الله تعالى إذ يقول : { تبيانا لكل شيء } و { لتبين للناس ما نزل إليهم } .

                                                                                                                                                                                          وقد تبين الرشد من الغي ، والدين كله رشد وخلاف كل شيء منه غي ، فلو لم يتبين كل ذلك لكان الله تعالى كذبا ، والرسول عليه السلام لم يبين ، ولم يبلغ والدين ذاهبا فاسدا - وهذا هو الكفر المحض ممن أجاز كونه .

                                                                                                                                                                                          والوجه الثالث - أنهم يقولون : إن الراوي من الصحابة أعلم بما روى وابن عمر هو راوي هذا الخبر ، وهو الذي كان لا يرى البيع يتم إلا بالتفرق بالأبدان ، فهو على أصلهم أعلم بما روي .

                                                                                                                                                                                          وسقط على أصلهم هذا تعلقهم بهذا الخبر جملة - والحمد لله رب العالمين .

                                                                                                                                                                                          وقال بعضهم : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر } ، ومن الغرر أن يكون لهما خيار لا يدريان متى ينقطع .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا كلام فاسد من وجوه - : أحدها - أن العقد قبل التفرق بالأبدان ، أو التخيير : ليس بيعا أصلا لا بيع غرر ولا بيع سلامة ، كما قال عليه السلام : { إنه لا بيع بينهما ما كانا معا } فهو غير داخل في بيع الغرر المنهي عنه .

                                                                                                                                                                                          والوجه الثاني - أنه ليس كما قالوا : من أن لهما خيارا لا يدريان متى ينقطع ، بل أيهما شاء قطعه قطعه في الوقت ، بأن يخير صاحبه فإما يمضيه فيتم البيع وينقطع الخيار ، وإما يفسخه فيبطل حكم العقد وتماديه ، أو بأن يقوم فيفارق صاحبه كما كان يفعل ابن عمر [ ص: 249 ] فظهر برد هذا الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرأي السخيف ، والعقل الهجين .

                                                                                                                                                                                          والوجه الثالث - أنه لا يكون غررا شيء أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يأمر بما نهى عنه معا حاش له من ذلك ، وإنما الغرر ما أجازه هؤلاء بآرائهم الفاسدة من بيعهم اللبن الذي لم يخلق في ضروع الغنم شهرا أو شهرين .

                                                                                                                                                                                          وبيع الجزر المغيب في الأرض الذي لم يره إنسي ولا عرف صفته ، ولا أهو جزر أم هو معفون مسوس لا خير فيه ؟ وبيع أحد ثوبين لا يدري أيهما هو المشترى .

                                                                                                                                                                                          والمقاثي التي لم تخلق ، والغائب الذي لم يوصف ولا عرف - فهذا هو الغرر المحرم المفسوخ الباطل حقا .

                                                                                                                                                                                          فإن ذكروا ما رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن هاشم بن القاسم عن أيوب بن عتبة اليمامي عن أبي كثير السحيمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا من بيعهما أو يكون بيعهما بخيار } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا عجب جدا ; لأنه عليهم لو صح ، والتفرق من البيع لا يكون إلا بأحد أمرين لا ثالث لهما : إما بتفرق الأبدان فيتم البيع حينئذ ويتفرقان منه حينئذ ، لا قبل ذلك ، وإما أن يتفرقا منه بفسخه وإبطاله - : لا يمكن غير هذا ؟ فكيف وأيوب بن عتبة ضعيف لا نرضى الاحتجاج بروايته أصلا وإن كانت لنا .

                                                                                                                                                                                          وأتى بعضهم بطامة تدل على رقة دينه وضعف عقله ، فقال : معنى ما لم يفترقا : إنما أراد ما لم يتفقا ، كما يقال للقوم : على ماذا افترقتم ؟ أي على ماذا اتفقتم - فأراد على ماذا افترقتما عن كلامكما .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا باطل من وجوه - : أولها : أن هذه دعوى كاذبة بلا دليل ، ومن لكم بصرف هذا اللفظ إلى هذا التأويل ؟ وما كان هكذا فهو باطل .

                                                                                                                                                                                          والثاني : أن يقول : هذا هو السفسطة بعينه ، ورد الكلام إلى ضده أبدا ، ولا يصح مع هذا حقيقة ، ولا يعجز أحد عن أن يقول كذلك في كل ما جاء عن القرآن ، والسنن . [ ص: 250 ] وهذه سبيل الروافض ، إذ يقولون : إن الجبت والطاغوت إنما هما إنسانان بعينهما ، وأن تذبحوا بقرة إنما هي فلانة بعينها .

                                                                                                                                                                                          والثالث : أن نقول لهم : فكيف ، ولو جاز هذا التأويل لكان ما رواه الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا ، أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع ، فقد وجب البيع } مكذبا لهذا التأويل الكاذب المدعى بلا دليل ، ومبينا أن التفرق الذي به يصح البيع لا يكون ألبتة على رغم أنوفهم ، إلا بعد التبايع ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كما ظن أهل الجهل من أنه في حال التبايع ومع آخر كلامهما .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا مما خالفوا فيه طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف ، وهم يعظمون هذا - وهذا مما خالفوا فيه جمهور العلماء إلا رواية عن إبراهيم ، ثم جاء بعضهم بعجب وهو أنهم زادوا في الكذب ، فأتوا برواية رويناها من طريق عطاء : أن عمر قال : البيع صفقة أو خيار - وروي أيضا من طريق الشعبي أن عمر - وعن الحجاج بن أرطاة أن عمر قال : إنما البيع عن صفقة أو خيار ، والمسلم عند شرطه . ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن محمد بن خالد بن الزبير عن شيخ من بني كنانة أن عمر قال : البيع عن صفقة أو خيار ، ولكل مسلم شرطه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : من عجائب الدنيا ، ومن البرهان على البراءة من الحياء : الاحتجاج بهذه الروايات في معارضة السنن ، وكلها عليهم لوجوه - : أولها - أنه ليس شيء منها يصح ; لأنها مرسلات ، أو من طريق الحجاج بن أرطاة - وهو مالك - عن شيخ من بني كنانة وما أدراك ما شيخ من بني كنانة ؟ ليت شعري أبهذا يحتجون إذا وقفوا في عرصة القضاء يوم القيامة ؟ عياذك اللهم من التلاعب بالدين .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صحت لما كان لهم فيها متعلق ، لأنه ليس في شيء منها إبطال ما حكم به الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من أنه { لا بيع إلا بعد التفرق أو التخيير } . [ ص: 251 ] وكلام عمر هذا لو سمعناه من عمر لما كان خلافا لقولنا ; لأن الصفقة ما صح من البيع بالتفرق ، والخيار ما صح من البيع بالتخيير ، كما قال عليه السلام ، وحكم أن { لا بيع بين البيعين إلا بأن يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر } فكيف ، وقد صح عن عمر مثل قولنا نصا ؟ كما روينا من طريق مسلم نا قتيبة نا ليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : أقبلت أقول : من يصطرف الدراهم ؟ فقال طلحة بن عبيد الله وهو عند عمر بن الخطاب أرنا ذهبك ؟ ثم جئنا إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك ؟ فقال له عمر : كلا والله لتعطينه ورقه أو لتردن إليه درهمه .

                                                                                                                                                                                          فهذا عمر يبيح له رد الذهب بعد تمام العقد وترك الصفقة .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : لم يكن تم البيع بينهما ؟ قلنا : هذا خطأ ; لأن هذا خبر رويناه من طريق مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه أخبره أنه التمس ، صرفا بمائة دينار ؟ قال : فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني وأخذ ذهبه فقلبها في يده ثم قال : حتى يأتيني خازني من الغابة وعمر يسمع ؟ فقال عمر : والله لا تفارقه حتى تأخذه .

                                                                                                                                                                                          فهذا بيان أن الصرف قد كان قد انعقد بينهما - فصح أن عمر وبحضرته طلحة وسائر الصحابة يرون فسخ البيع قبل التفرق بالأبدان .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح عن عمر ما ادعوه ما كان في قوله حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عليه ، وكم قصة خالفوا فيها عمر ومعه السنة أو ليس معه ؟ أول ذلك هذا الخبر نفسه ، فإنهم رووا عن عمر كما ترى " والمسلم عند شرطه " وهم يبطلون شروطا كثيرة جدا .

                                                                                                                                                                                          ونسوا خلافهم لعمر في قوله : الماء لا ينجسه شيء .

                                                                                                                                                                                          وأخذه الصدقة من الرقيق من كل رأس عشرة دراهم أو دينارا .

                                                                                                                                                                                          وإيجابه الزكاة في ناض اليتيم . [ ص: 252 ] وتركه في الخرص في النخل ما يأكل أهله - والمسح على العمامة ، وأزيد من مائة قضية - فصار ههنا الظن الكاذب في الرواية الكاذبة عن عمر : حجة في رد السنن .

                                                                                                                                                                                          فكيف وقد روينا هذه الرواية نفسها من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن خالد بن محمد بن خالد بن الزبير أن عمر بن الخطاب قال : إنه ليس بيع إلا عن صفقة وتخاير - هكذا بواو العطف - وهذا مخالف لقولهم ، وموافق لقولنا ، وموجب أن عمر لم ير البيع إلا ما جمع العقد ، والتخيير سوى العقد ، وقد ذكرناه عن عمر أيضا قبل من طريق صحيحة ، فظهر فساد تعلقهم من كل جهة .

                                                                                                                                                                                          وذكر بعضهم قول ابن عمر الثابت عنه : ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع - : رويناه من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا من عجائبهم ; لأنهم أول مخالف لهذا الخبر - : فالحنفيون يقولون : بل هو من البائع ما لم يره المبتاع أو يسلمه إليه البائع - والمالكيون يقولون : بل إن كان غائبا غيبة بعيدة فهو من البائع .

                                                                                                                                                                                          فمن أعجب ممن يحتج بخبر هو عليه لا له ، ويجاهر هذه المجاهرة ؟ وما في كلام ابن عمر هذا شيء يخالف ما صح عنه من أن البيع لا يصح إلا بالتفرق بالأبدان .

                                                                                                                                                                                          فقوله : ما أدركت الصفقة ، إنما أراد البيع التام بلا شك .

                                                                                                                                                                                          ومن قوله المشهور عنه : إنه لا بيع يتم ألبتة إلا بالتفرق بالأبدان ، أو بالتخيير بعد العقد .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فظهر عظيم فحشهم في هذه المسألة ، وعظيم تناقضهم فيها ، وهم يقولون : إن المرسل كالمسند ، وبعضهم يقول : بل أقوى منه ، ويحتجون به إذا وافقهم . وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الخيار بعد البيع } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وقد ذكرنا عن طاوس أن التخيير ليس إلا بعد البيع ، وهم يقولون : الراوي أعلم بما روى . [ ص: 253 ] ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا قاسم الجعفي عن أبيه عن ميمون بن مهران قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { البيع عن تراض والتخيير بعد الصفقة ، ولا يحل لمسلم أن يغبن مسلما } .

                                                                                                                                                                                          فهذان مرسلان من أحسن المراسيل ، مبطلان لقولهم الخبيث المعارض للسنن ، فأين هم عنه ؟ لكنهم يقولون ما لا يفعلون كبر مقتا عند الله أن يقولوا ما لا يفعلون - نعوذ بالله من مقته قال علي : وقد ذكرنا أن بعض أهل الجهل والسخف قال : هذا خبر جاء بألفاظ شتى فهو مضطرب .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقد كذب بل ألفاظه كلها ثابتة منقولة نقل التواتر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس شيء منها مختلفا أصلا ، لكنها ألفاظ يبين بعضها بعضا ، كما أمر عليه السلام ببيان وحي ربه تعالى .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية