الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل

                                                                                                          يجب صاع عراقي من بر ، ومثله مكيل ذلك من غيره ، وهو التمر ( ع ) والزبيب ( و ) والشعير ( ع ) والأقط ، نص على ذلك ، كما سبق في كتاب الطهارة وفي آخر الغسل وفي زكاة المعشرات ، ولا عبرة بوزن التمر ، ويحتاط في الثقيل ، ليسقط الفرض بيقين ، ولا يجزئ نصف صاع من بر ، نص عليه ( و م ش ) لخبر أبي هريرة ، وفيه : { أو صاع من قمح } وهو من رواية سفيان بن حسين عن الزهري ، وليس بالقوي عندهم ، لا سيما في الزهري ، رواه الدارقطني وغيره ، وروي أيضا من رواية النعمان بن راشد [ عن الزهري ] عن ابن صغير عن أبيه مرفوعا { أدوا صاعا من بر عن كل إنسان ، صغير أو كبير ، حر أو مملوك ، غني أو فقير ، ذكر أو أنثى } ورواه أحمد وأبو داود وقالا { صاعا من بر عن كل اثنين } والنعمان ضعيف عندهم ، قال أحمد : ليس بصحيح إنما هو مرسل يرويه معمر بن جريج عن الزهري مرسلا ، مع أنه رواه في مسنده أيضا عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة [ ص: 534 ] وهو ابن صعير مرفوعا ، وهذا إسناد جيد

                                                                                                          ، واختار شيخنا : يجزئ نصف صاع من بر ، وقال : وهو قياس المذهب في الكفارة ، وإنه يقتضيه ما نفله الأثرم ( و هـ ) كذا قال ، مع أن القاضي قال عن الصاع : نص عليه في رواية الأثرم ، فقال : صاع من كل شيء ، ولأحمد وأبي داود والنسائي من حديث الحسن عن ابن عباس { نصف صاع من بر } ولم يسمع الحسن منه ، قال ابن معين وابن المديني ، لكن عنده مرسلات الحسن التي رواها عنه الثقات صحاح ، وهذا إسناد جيد إليه ، وكذا نقل مهنا : هي صحيحة ، ما نكاد نجدها إلا صحيحة ، والأشهر لا يحتج بها ، وذكره ابن سعد عن العلماء ، وهو الذي رأيته في كلام الأصحاب ، ومذهب الحسن صاع ، ولأحمد من حديث أسماء { مدين من قمح } ، وفيه ابن لهيعة ، وللترمذي وقال حسن غريب من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { مدان من قمح أو سواه صاع من طعام } وفيه سالم بن نوح ، ضعفه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما ، ووثقه أبو زرعة وغيره .

                                                                                                          وقال أحمد : ما بحديثه بأس ، وروى له مسلم ، ولأبي داود في المراسيل بإسناد جيد عن سعيد بن المسيب قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر مدين من حنطة } . وهو مذهب ابن المسيب ، وقد ذكر الجوزجاني وابن المنذر وغيرهما : أن أخبار نصف صاع لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا ذكروا . وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال : { كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام ، أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط ، [ ص: 535 ] حتى قدم معاوية المدينة فقال : إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر ، فأخذ الناس بذلك . } .

                                                                                                          وللنسائي عنه : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط } . ولأبي داود من حديث ابن عمر أن عمر جعل نصف صاع حنطة مكان صاع . والله أعلم ، وعن ( هـ ) رواية يجزئ نصف صاع زبيب ، ومن أخرج فوق صاع فأجره أكثر ، وحكى لأحمد عن خالد بن خداش : سمعت مالكا يقول : لا يزيد فيه ; لأنه ليس له أن يصلي الظهر خمسا ، فغضب أحمد واستبعد ذلك ، ويجزئ أحد هذه الأجناس وإن لم تكن قوته ، خلافا لأحد قولي الشافعي ، وعن الشافعي قول ثالث : يجزئ من قوته الشعير إخراج البر ، لا العكس ، ومذهب ( م ) يعتبر الإخراج من جل قوت البلد ، ويجزئ دقيق البر والشعير وسويقهما ، نص عليه ، واحتج بزيادة انفرد بها ابن عيينة من حديث أبي سعيد ، { أو صاعا من دقيق } قيل لابن عيينة : إن أحدا لا يذكره فيه ، قال : بلى ، هو فيه ، رواه الدارقطني ورواه أبو داود قال : [ قال ابن حامد ] : أنكروه على سفيان فتركه سفيان ، [ قال أبو داود ] وهي وهم من ابن عيينة ، قال صاحب المحرر : بل أولى بالإجزاء ; لأنه كفى مؤنته كثمر نزع حبه .

                                                                                                          وقال غيره : يجزئ كما يجزئ تمر وزبيب نزع حبه ، وعنه : لا يجزئ ذلك ( و م ش ) واختاره صاحب الإرشاد والمحرر في السويق ، وصاعه بوزن حبه ، نص عليه ، لتفرق الأجزاء بالطحن ، ويجزئ بلا نخل ، وقيل : لا كما لا يكمل تمر بنواه المنزوع .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية