الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المذهب الثالث : مذهب الجهمية لصفات الرب تعالى أن كلامه مخلوق ومن بعض مخلوقاته ، فلم يقم بذاته سبحانه ، فاتفقوا على هذا الأصل واختلفوا في فروعه ، قال الأشعري في كتاب المقالات : اختلفت المعتزلة في كلام الله ، هل هو جسم أو ليس بجسم ، وفي خلقه على ستة أقاويل :

فالفرقة الأولى : منهم يزعمون أن كلام الله جسم ، وأنه مخلوق ، وأنه لا شيء إلا جسم .

والفرقة الثانية : زعموا أن كلام الخلق عرض وهو حركة ; لأنه لا عرض عندهم إلا الحركة وأن كلام الخالق جسم ، وأن ذلك الجسم صوت متقطع مؤلف مسموع ، وهو فعل الله وخلقه ، وهذا قول أبي الهذيل وأصحابه ، وأحال النظام أن يكون كلام الله في أماكن كثيرة أو مكانين في وقت واحد ، وزعم أنه في المكان الذي خلق فيه .

والفرقة الثالثة : من المعتزلة تزعم أن القرآن مخلوق لله وأنه عرض وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد إذا تلاه قال فهو يوجد مع تلاوته ، وإذا كتبه وجد مع كتابته ، وإذا حفظه وجد مع حفظه ، وهو يوجد في الأماكن بالتلاوة والحفظ والكتابة ولا يجوز عليه الانتقال والزوال .

والفرقة الرابعة : يزعمون أن كلام الله عز وجل عرض وأنه مخلوق وأحالوا أن يوجد في مكانين في وقت واحد ، وزعموا أن المكان الذي خلقه الله تعالى فيه محال انتقاله وزواله منه ووجوده في غيره ، وهذا قول جعفر بن حرب وأكثر البغداديين .

والفرقة الخامسة : أصحاب معمر يزعمون أن القرآن عرض ، والأعراض عندهم قسمان : قسم منهما يفعله الأحياء وقسم منهما يفعله الأموات ، ومحال أن يكون ما يفعله الأموات فعلا للأحياء ، والقرآن مفعول وهو عرض ، ومحال أن يكون الله فعله في [ ص: 497 ] الحقيقة ، لأنهم يحيلون أن تكون الأعراض فعلا لله ، وزعموا أن القرآن فعل للمحل الذي يسمع منه ، إذ سمع من الشجرة ، فهو فعل لها حيث سمع ، فهو فعل المحل الذي حل فيه .

والفرقة السادسة : يزعمون أن كلام الله عرض مخلوق ، وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد ، وهذا قول الإسكافي .

واختلفت المعتزلة في كلام الله هل يبقى ؟ فقالت فرقة منهم : يبقى بعد خلقه ، وقالت فرقة أخرى : لا يبقى إنما يوجد في الوقت الذي خلقه الله ثم يعدم بعد ذلك ، وهذا المذهب هو من فروع الأصل الباطل المخالف لجميع كتب الله ورسله ، ولصريح المعقول والفطر ، من جحد صفات الرب وتعطيل حقائق أسمائه ونفي قيام الأفعال به ، فلما أصلوا أنه لا يقوم به وصف ولا فعل كان من فروع هذا الأصل أنه لم يتكلم بالقرآن ولا بغيره ، وأن القرآن مخلوق ، وطرد ذلك إنكار ربوبيته وإلهيته ، فإن ربوبيته سبحانه إنما تتحقق بكونه فعالا مدبرا متصرفا في خلقه ، يعلم ويقدر ويريد ويسمع ويبصر ، فإذا انتفت أفعاله وصفاته انتفت ربوبيته ، إذا انتفت عنه صفة الكلام انتفى الأمر والنهي ولوازمها وذلك ينفي حقيقة الإلهية ، فطرد ما أصلوه أن الله سبحانه ليس برب العالم ولا إله ، فضلا عن أن يكون لا رب غيره ولا إله سواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية