الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 51 ] أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون

                                                                                                                                                                                                                                      أثم إذا ما وقع آمنتم به إنكار لإيمانهم بنزول العذاب بعد وقوعه حقيقة، داخل مع ما قبله من إنكار استعجالهم به بعد إتيانه حكما، تحت القول المأمور به. أي: أبعد ما وقع العذاب وحل بكم حقيقة آمنتم به حين لا ينفعكم الإيمان؟ إنكارا لتأخيره إلى هذا الحد، وإيذانا باستتباعه للندم والحسرة، ليقلعوا عما هم عليه من العناد، ويتوجهوا نحو التدارك قبل فوت الفوات -أفاده أبو السعود -.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: آلآن وقد كنتم به تستعجلون على إرادة القول. أي: قيل لهم إذا آمنوا بعد معاينة العذاب ، آلآن آمنتم به ؟ وذلك إنكارا للتأخير، وتوبيخا عليه. وسر وضع " تستعجلون" موضع (تكذبون) الذي يقتضيه الظاهر ; الإشارة إلى أن المراد به الاستعجال السابق، وهو التكذيب والاستهزاء، استحضارا لمقالتهم، فهو أبلغ من (تكذبون).

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الاستعجال كناية عن التكذيب، وفائدة هذه الحال استحضارها. هذا ما ذكروه، ولا مانع من بقاء الاستعجال على حقيقته، يدل عليه آية: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة إلخ، فهم مع تهكمهم رضوا بأن يعاينوا آية يعذبون بها، لما في قلوبهم من مرض العناد العضال، والجهل المصم المعمي، ولذلك أجيبوا بأن العذاب هل فيه ما يستعجل منه! أي فمثل هذا الاستعجال لا يصدر ممن [ ص: 3359 ] له مسكة من عقل ; إذ لا يستعجل إلا ما يرجى خيره، ثم أعلمهم بعدم فائدة إيمانهم وقتئذ، وما يوبخون به، إنكارا للتأخير -والله أعلم-.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية