الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحمد بن محمد بن زكريا بن أبي عتاب أبو بكر البغدادي الحافظ .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويعرف بأخي ميمون روى عن نصر بن علي الجهضمي وغيره وروى عنه الطبراني وكان يمتنع من أن يحدث وإنما يسمع منه في المذاكرات ، توفي في شوال منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو بكر الأثرم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر الطائي الأثرم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تلميذ الإمام أحمد ، سمع عفان وأبا الوليد والقعنبي وأبا نعيم وخلقا كثيرا وكان حاذقا صادقا قوي الذاكرة ، كان ابن معين يقول عنه : كان أحد أبويه جنيا . لسرعة فهمه وحفظه وحذقه ، وله كتب مصنفة في العلل والناسخ والمنسوخ وكان من بحور العلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 752 ] خلف بن عمرو بن عبد الرحمن بن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو محمد العكبري سمع الحديث وكان ظريفا ، له ثلاثون خاتما وثلاثون عكازا يلبس في كل يوم من الشهر خاتما ويأخذ في يده عكازا ثم يستأنف ذلك في الشهر الثاني وكان له سوط معلق في منزله فإذا سئل عن ذلك ، يقول : ليرهب العيال منه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن المعتز الشاعر الذي بويع بالخلافة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الله بن المعتز بالله محمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون ، يكنى ابن المعتز أبا العباس ، الشاعر الهاشمي العباسي الفصيح البليغ المطبق ، وقريش قادة الناس في الخير ودفع الشر ، وقد سمع المبرد وثعلبا وقد روي عنه من الحكم والآداب شيء كثير ، فمن ذلك قوله : أنفاس الحي خطاه . أهل الدنيا ركب يسار بهم وهم نيام . ربما أورد الطمع ولم يصدر . ربما شرق شارب الماء قبل ريه . من تجاوز الكفاف لم يغنه الإكثار ، كلما عظم قدر المنافس فيه عظمت الفجيعة به . من ارتحله الحرص أضناه الطلب . الحرص ينقص من قدر الإنسان ولا يزيد في حظه . أشقى الناس أقربهم من [ ص: 753 ] السلطان كما أن أقرب الأشياء إلى النار أسرعها احتراقا . من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة . يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك . الفرصة سريعة الفوت بعيدة العود . الأسرار إذا كثر خزانها ازدادت ضياعا . العزل يضحك من تيه الولاية . الجزع أتعب من الصبر . لا تشن وجه العفو بالتقريع . تركة الميت عز للورثة . إلى غير ذلك من كلامه وحكمه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره في الحكم مما يناسب هذا المعنى الأخير قوله


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سابق إلى مالك وراثه ما المرء في الدنيا بلباث     كم صامت يخنق أكياسه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد صاح في ميزان ميراث

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا ذا الغنى والسطوة القاهره     والدولة الناهية الآمره
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويا شياطين بني آدم     ويا عبيد الشهوة الفاجره
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      انتظروا الدنيا فقد أقربت     وعن قليل تلد الآخره

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله أيضا :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 754 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابك يا نفس وهاتي     توبة قبل الممات
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قبل أن يفجعنا الده     ر ببين وشتات
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تخونيني إذا م     ت وقامت بي نعاتي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إنما الوافي بعهدي     من وفى بعد وفاتي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الصولي : نظر ابن المعتز في حياة أبيه الخليفة إلى جارية فأعجبته فمرض من حبها فدخل أبوه عليه عائدا ، فقال له : كيف تجدك ؟ فأنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيها العاذلون لا تعذلوني     وانظروا حسن وجهها تعذروني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وانظروا هل ترون أحسن منها     إن رأيتم شبيهها فاعذلوني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : ففحص أبوه عن القضية واستعلم خبر الجارية ثم بعث إلى سيدها فاشتراها منه بسبعة آلاف دينار وبعثها إليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكرنا أن في ربيع الأول من هذه السنة اجتمع القواد والأعيان والقضاة على خلع المقتدر وتولية عبد الله بن المعتز هذا ، ولقب بالمرتضي والمنتصف بالله فما مكث في الخلافة إلا يوما أو بعض يوم ثم غالب المقتدر وقتل عامة من خرج عليه واعتقله في دار السلطان ، ووكل به يونس الخادم ، فقتل في أوائل ربيع الآخر لليلتين خلتا منه ، ويقال : إنه أنشد في آخر يوم من حياته :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 755 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا نفس صبرا لعل الخير عقباك     خانتك من بعد طول الأمن دنياك
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مرت بنا سحرا طير فقلت لها     طوباك يا ليتني إياك طوباك
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن كان قصدك شرقا فالسلام على     شاطي الصراة ابلغي إن كان مسراك
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من موثق بالمنايا لا فكاك له     يبكي الدماء على إلف له باكي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فرب آمنة جاءت منيتها     ورب مفلتة من بين أشراك
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أظنه آخر الأيام من عمري     وأوشك اليوم أن يبكي لي الباكي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما قدم ليقتل أنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقل للشامتين بنا رويدا     أمامكم المصائب والخطوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هو الدهر الذي لا بد من أن     يكون إليكم منه ذنوب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم كان ظهور قتله لليلتين من ربيع الآخر من هذه السنة وقد ذكر له القاضي ابن خلكان مصنفات كثيرة ، منها : " طبقات الشعراء " وكتاب " أشعار الملوك " وكتاب " الآداب " وكتاب " البديع " وكتاب في الغناء وغير ذلك ، وذكر أن طائفة من الأمراء خلعوا المقتدر وبايعوه يوما وليلة ثم تمزق شمله واختفى في بيت ابن الجصاص الجوهرى ثم ظهر عليه فقتل وصودر ابن الجصاص بألفي ألف دينار وبقي معه سبعمائة ألف دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قيل : وكان أسمر اللون مسنون الوجه يخضب بالسواد عاش خمسين [ ص: 756 ] سنة وذكر شيئا من كلامه وأشعاره رحمه الله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن الحسين بن حبيب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو حصين الوادعي القاضي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب " المسند " من أهل الكوفة قدم بغداد وحدث بها عن أحمد بن يونس اليربوعي ويحيى بن عبد الحميد وجندل بن والق ، وعنه ابن صاعد والنجاد والمحاملي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الدارقطني : كان ثقة توفي بالكوفة في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن داود بن الجراح أبو عبد الله الكاتب عم الوزير علي بن عيسى كان من أعلم الناس بالأخبار وأيام الخلفاء ، له مصنفات في ذلك روى عن عمر بن شبة وغيره . كانت وفاته في ربيع الأول منها عن ثلاث وخمسين سنة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية