الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                هذا الذي ذكرنا بيان الحكم الأصلي للطلاق ، وأما الذي هو من التوابع فنوعان : نوع يعم الطلاق المعين ، والمبهم ، ونوع يخص المبهم أما الذي يعم المعين ، والمبهم فوجوب العدة على بعض المطلقات دون بعض ، وهي المطلقة المدخول بها ، والكلام في العدة في مواضع : في تفسير العدة في عرف الشرع ، وبيان وقت وجوبها ، وفي بيان أنواع العدد ، وسبب وجوب كل نوع ، وما له وجب ، وشرط وجوبه ، وفي بيان مقادير العدد ، وفي بيان انتقال العدة ، وتغيرها ، وفي بيان أحكام العدة ، وفي بيان ما يعرف به انقضاء العدة ، وما يتصل بها : أما تفسير العدة ، وبيان وقت وجوبها فالعدة في عرف الشرع : اسم لأجل ضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح ، وهذا عندنا وعند الشافعي هي اسم لفعل التربص ، وعلى هذا ينبني العدتان إذا وجبتا أنهما يتداخلان سواء كانتا من جنس واحد أو من جنسين .

                                                                                                                                وصورة الجنس الواحد : المطلقة إذا تزوجت في عدتها فوطئها الزوج ثم تتاركا حتى وجبت عليها عدة أخرى فإن العدتين يتداخلان عندنا وصورة الجنسين المختلفين المتوفى عنها زوجها إذا وطئت بشبهة تداخلت أيضا ، وتعتد بما رأته من الحيض في الأشهر من عدة الوطء عندنا .

                                                                                                                                وقال الشافعي : تمضي في العدة الأولى فإذا انقضت استأنفت الأخرى احتج بقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وقوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } وقوله تعالى { ، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } أي : في التربص ، ومعلوم أن الزوج إنما يملك الرجعة في العدة فدل أن العدة تربص ، سمى الله تعالى العدة تربصا ، وهو اسم للفعل ، وهو الكف ، والفعلان - وإن كانا من جنس واحد - لا يتأديان بأحدهما كالكف في باب الصوم ، وغير ذلك ولنا قوله تعالى { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } سمى الله تعالى العدة أجلا ، والأجل اسم لزمان مقدر مضروب لانقضاء أمر كآجال الديون ، وغيرها سميت العدة أجلا لكونه وقتا مضروبا لانقضاء ما بقي من آثار النكاح ، والآجال إذا اجتمعت تنقضي بمدة واحدة كالآجال في باب الديون ، والدليل على أنها اسم للأجل لا للفعل أنها تنقضي من غير فعل التربص بأن لم تجتنب عن محظورات العدة حتى انقضت المدة ، ولو كانت فعلا لما تصور انقضاؤها مع ضدها ، وهو الترك .

                                                                                                                                وأما الآيات فالتربص هو التثبت ، والانتظار قال تعالى { فتربصوا به حتى حين } .

                                                                                                                                وقال سبحانه ، وتعالى { ويتربص بكم الدوائر } وقال سبحانه { فتربصوا إنا معكم متربصون } ، والانتظار يكون في الآجال المعتدة تنتظر انقضاء المدة المضروبة ، وبه تبين أن التربص ليس هو فعل الكف ، على أنا إن سلمنا أنه كف لكنه ليس بركن في الباب بل هو تابع بدليل أنه تنقضي العدة بدونه على ما بينا ، وكذا تنقضي بدون العلم به ولو كان ركنا لما تصور الانقضاء بدونه ، وبدون العلم به .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية