الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 638 ] بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة محمد

هذه السورة مدنية بإجماع، غير أن بعض الناس قال في قوله تعالى: وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك الآية: إنها نزلت بمكة في وقت دخول النبي صلى الله عليه وسلم فيها عام الفتح أو سنة الحديبية، وما كان مثل هذا فهو معدود في المدني; لأن المراعى في ذلك إنما هو ما كان قبل الهجرة أو بعدها.

قوله عز وجل:

الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم

قوله تعالى: الذين كفروا الآية، إشارة إلى أهل مكة الذين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: والذين آمنوا الآية، إشارة إلى الأنصار أهل المدينة الذين آووه، وفي الطائفتين نزلت الآية، قاله ابن عباس ، ومجاهد . ثم هي بعد تعم كل من دخل تحت ألفاظها.

وقوله تعالى: وصدوا عن سبيل الله يحتمل أن يريد الفعل المجاوز، فيكون المعنى: وصدوا غيرهم، ويحتمل أن يكون الفعل غير متعد، فيكون المعنى: وصدوا أنفسهم، و"سبيل الله": شرعه وطريقه الذي دعا إليه، وقوله تعالى: أضل أعمالهم أي: [ ص: 639 ] أتلفها، ولم يجعل لها غاية خير ولا نفعا، وروي أن هذه الآية نزلت بعد بدر، وأن الإشارة بقوله: أضل أعمالهم هي إلى الإنفاق الذي أنفقوه في سفرتهم إلى بدر، وقيل: المراد بالأعمال أعمالهم البرة في الجاهلية، من صلة رحم ونحوه، واللفظ يعم جميع ذلك.

وقرأ الناس: "نزل" بضم النون وشد الزاي، وقرأ الأعمش : "أنزل" معدى بالهمزة، وقوله تعالى: وأصلح بالهم ، قال قتادة : معناه: حالهم، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: أمرهم، وقال مجاهد : شأنهم، وتحرير التفسير في اللفظة أنها بمعنى الفكر والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب، فإذا صلح ذلك صلحت حاله، فكأن اللفظة مشيرة إلى صلاح عقيدتهم، وغير ذلك من الحال تابع، فقولك: "خطر في بالي كذا" وقولك: "أصلح الله بالك"، المراد بهما واحد، ذكره المبرد ، و"البال": مصدر كالحال والشأن، ولا يستعمل منها فعل، وكذلك عرفه أن لا يثنى ولا يجمع، وقد جاء مجموعا لكنه شاذ; فإنهم قالوا: بآلات.

وقوله تعالى: "كذلك" إشارة إلى الأتباع المذكور من الفريقين، أي: كما اتبعوا على هذين السبيلين كذلك يبين أمر كل فرقة، ويجعل لها ضربها من القول وصنفا، وضرب المثل مأخوذ من الضريب والضرب الذي هو بمعنى النوع.

التالي السابق


الخدمات العلمية