الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ثمر الحائط يباع أصله أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع } ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع } .

( قال الشافعي ) : وهذا الحديث ثابت عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ وفيه دلالات إحداها لا يشكل في أن الحائط إذا بيع وقد أبر نخله فالثمرة لبائعه إلا أن يشترطها مبتاعه فيكون مما وقعت عليه صفقة البيع ويكون لها حصة من الثمن .

( قال ) : والثانية أن الحائط إذا بيع ولم يؤبر نخله فالثمرة للمشتري ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حد فقال { إذا أبر فثمرته للبائع } فقد أخبر أن حكمه إذا لم يؤبر غير حكمه إذا أبر ولا يكون ما فيه إلا للبائع أو للمشتري لا لغيرهما ولا موقوفا فمن باع حائطا لم يؤبر فالثمرة للمشتري بغير شرط استدلالا موجودا بالسنة ( قال ) : ومن باع أصل فحل نخل أو فحول بعد أن تؤبر إناث النخل فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ومن باع فحلا قبل أن تؤبر إناث النخل فالثمرة للمشتري ( قال ) : والحوائط تختلف بتهامة ونجد والسقيف فيستأخر إبار كل بلد بقدر حرها وبردها وما قدر الله تعالى من إبانها فمن باع حائطا منها لم يؤبر فثمره للمبتاع ، وإن أبر غيره ; لأن حكمه به لا بغيره وكذلك لا يباع منها شيء حتى يبدو صلاحه ، وإن بدا صلاح غيره وسواء كان نخل الرجل قليلا أو كثيرا إذا كان في حظار واحد أو بقعة واحدة في غير حظار فبدا صلاح واحدة منه ، حل بيعه ولو كان إلى جنبه حائط له آخر أو لغيره فبدا صلاح حائط غيره الذي هو إلى جنبه لم يحل بيع ثمر حائطه بحلول بيع الذي إلى جنبه وأقل ذلك أن يرى في شيء منه الحمرة أو الصفرة وأقل الإبار أن يكون في شيء منه الإبار فيقع عليه اسم أنه قد أبر كما أنه إذا بدا صلاح شيء منه وقع عليه اسم أنه قد بدا صلاحه واسم أنه قد أبر فيحل بيعه ولا ينتظر آخره بعد أن يرى ذلك في أوله .

( قال ) : والإبار التلقيح وهو أن يأخذ شيئا من طلع الفحل فيدخله بين ظهراني طلع الإناث من النخل فيكون له بإذن الله صلاحا ( قال ) : والدلالة بالسنة في النخل قبل أن يؤبر وبعد الإبار في أنه داخل في البيع مثل الدلالة بالإجماع في جنين الأمة وذات الحمل من البهائم ، فإن الناس لم يختلفوا في أن كل ذات [ ص: 42 ] حمل من بني آدم ومن البهائم بيعت فحملها تبع لها كعضو منها داخل في البيع بلا حصة من الثمن ; لأنه لم يزايلها ، ومن باعها وقد ولدت فالولد غيرها ، وهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فيكون قد وقعت عليه الصفقة ، وكانت له حصة من الثمن ، ويخالف الثمر لم يؤبر الجنين في أن له حصة من الثمن ; لأنه ظاهر وليست للجنين ; لأنه غير ظاهر ولولا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لما كان الثمر قد طلع مثل الجنين في بطن أمه ; لأنه قد يقدر على قطعه والتفريق بينه وبين شجره ويكون ذلك مباحا منه والجنين لا يقدر على إخراجه حتى يقدر الله تعالى له ولا يباح لأحد إخراجه وإنما جمعنا بينهما حيث اجتمعا في بعض حكمهما بأن السنة جاءت في الثمر لم يؤبر كمعنى الجنين في الإجماع فجمعنا بينهما خبرا لا قياسا إذ وجدنا حكم السنة في الثمر لم يؤبر كحكم الإجماع في جنين الأمة وإنما مثلنا فيه تمثيلا ليفقهه من سمعه من غير أن يكون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أن يقاس على شيء بل الأشياء تكون له تبعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية