الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان مقادير العدة ، وما تنقضي به ، فأما عدة الأقراء فإن كانت المرأة حرة فعدتها ثلاثة قروء لقوله تعالى { ، والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ، وسواء وجبت بالفرقة في النكاح الصحيح أو بالفرقة في النكاح الفاسد أو بالوطء عن شبهة النكاح لما ذكرنا أن النكاح الفاسد بعد الدخول يجعل منعقدا في حق وجوب العدة ، ويلحق به فيه ، وشبهة النكاح ملحقة بالحقيقة فيما يحتاط فيه ، والنص الوارد في المطلقة يكون واردا فيها دلالة ، وكذلك أم الولد إذا أعتقت بإعتاق المولى أو بموته فإنها تعتد بثلاثة قروء عندنا ، وعند الشافعي تعتد بحيضة واحدة وجه قوله أن هذه العدة لم تجب بزوال ملك النكاح لعدم النكاح ، وإنما وجبت بزوال ملك اليمين فكان وجوبها بطريق الاستبراء فيكتفى بحيضة واحدة كما في استبراء سائر المملوكات .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي عن عمر ، وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا : عدة أم الولد ثلاث حيض ، وهذا نص فيه ، وبه تبين أن الواجب عدة وليس باستبراء إلا أنهم سموه عدة ، والعدة لا تقدر بحيضة واحدة ، والدليل على أنه عدة أنه يجب على الحرة ، والحرة لا يلزمها الاستبراء .

                                                                                                                                وإذا كان عدة لا يجوز تقديرها بحيضة واحدة كسائر العدد ; ولأن هذه العدة تجب بزوال الفراش ; لأن أم الولد لها فراش إلا أن فراشها قبل العتق غير مستحكم بل هو ضعيف لاحتماله النقل إلى غيره فإذا أعتقت فقد استحكم فالتحق بالفراش الثابت بالنكاح ، والعدة التي تجب بزوال الفراش الثابت بالنكاح ، وهو النكاح الفاسد مقدرة بثلاثة قروء ، ولهذا استوى في الواجب عليها الموت ، والعتق كما في النكاح الفاسد وعدة المستحاضة ، وغيرها سواء ، وهي ثلاثة أقراء لعموم النص ، وإن كانت أمة فقرءان عند عامة العلماء .

                                                                                                                                وقال نفاة القياس : ثلاثة قروء كعدة الحرة احتجوا بعموم قوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } من غير تخصيص الحرة .

                                                                                                                                ( ولنا ) الحديث المشهور ، وهو ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { طلاق الأمة ثنتان ، وعدتها حيضتان } وقال عمر رضي الله عنه عدتها حيضتان ولو استطعت لجعلتها حيضة ، ونصفا ، وبه تبين أن الإماء مخصوصات من عموم الكتاب الكريم ، وتخصيص الكتاب بالخبر المشهور جائز بالإجماع ; ولأن العدة حق من حقوق النكاح مقدر فيؤثر الرق في تنصيفه كالقسم كان ينبغي أن يتنصف فتعتد حيضة ، ونصفا كما أشار إليه عمر رضي الله عنه إلا أنه لا يمكن ; لأن الحيضة الواحدة لا تتجزأ فتكاملت ضرورة ، وسواء كان زوجها حرا أو عبدا بلا خلاف ; لأن العدة تعتبر بالنساء بالإجماع ، ويستوي في مقدار هذه العدة المسلمة ، والكتابية ، الحرة كالحرة ، والأمة كالأمة ; لأن الدلائل لا توجب الفصل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية