الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إذا ركع دون الصف

                                                                                                                                                                                                        750 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا همام عن الأعلم وهو زياد عن الحسن عن أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال زادك الله حرصا ولا تعد

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب إذا ركع دون الصف ) كان اللائق إيراد هذه الترجمة في أبواب الإمامة ، وقد سبق هناك ترجمة " المرأة وحدها تكون صفا " وذكرت هناك أن ابن بطال استدل بحديث أنس المذكور فيه في صلاة أم سليم لصحة صلاة المنفرد خلف الصف إلحاقا للرجل بالمرأة ، ثم وجدته مسبوقا بالاستدلال به عن جماعة من كبار الأئمة ، لكنه متعقب ، وأقدم من وقفت على كلامه ممن تعقبه ابن خزيمة فقال : لا يصح الاستدلال به لأن صلاة المرء خلف الصف وحده منهي عنها باتفاق ممن يقول تجزئه أو لا تجزئه ، وصلاة المرأة وحدها إذا لم يكن هناك امرأة أخرى مأمور بها باتفاق ، فكيف يقاس مأمور على منهي ؟ والظاهر أن الذي استدل به نظر إلى مطلق الجواز حملا للنهي على التنزيه والأمر على الاستحباب ، وقالناصر الدين [ ص: 313 ] بن المنير : هذه الترجمة مما نوزع فيها البخاري حيث لم يأت : بجواب " إذا " لإشكال الحديث واختلاف العلماء في المراد بقوله " ولا تعد " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن الأعلم هو زياد ) في رواية عن عفان عن همام حدثنا زياد الأعلم أخرجه ابن أبي شيبة ، وزياد هو ابن حسان بن قرة الباهلي من صغار التابعين ، قيل له الأعلم لأنه كان مشقوق الشفة ، والإسناد كله بصريون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن الحسن ) ) هو البصري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبي بكرة ) هو الثقفي ، وقد أعله بعضهم بأن الحسن عنعنه ، وقيل إنه لم يسمع من أبي بكرة وإنما يروى عن الأحنف عنه ، ورد هذا الإعلال برواية سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال " حدثني الحسن أن أبا بكرة حدثه " أخرجه أبو داود والنسائي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أنه انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ) في رواية سعيد المذكورة " أنه دخل المسجد " زاد الطبراني من رواية عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه " وقد أقيمت الصلاة فانطلق يسعى " وللطحاوي من رواية حماد بن سلمة عن الأعلم " وقد حفزه النفس " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فذكر ذلك ) في رواية حماد عند الطبراني فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيكم دخل الصف وهو راكع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( زادك الله حرصا ) أي على الخير ، قال ابن المنير صوب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل أبي بكرة من الجهة العامة وهي الحرص على إدراك فضيلة الجماعة ، وخطأه من الجهة الخاصة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا تعد ) أي إلى ما صنعت من السعي الشديد ثم الركوع دون الصف ثم من المشي إلى الصف ، وقد ورد ما يقتضي ذلك صريحا في طرق حديثه كما تقدم بعضها ، وفي رواية عبد العزيز المذكورة فقال من الساعي وفي رواية يونس بن عبيد عن الحسن عن الطبراني فقال أيكم صاحب هذا النفس ؟ قال : خشيت أن تفوتني الركعة معك وله من وجه آخر عنه في آخر الحديث صل ما أدركت واقض ما سبقك وفي رواية حماد عند أبي داود وغيره أيكم الراكع دون الصف وقد تقدم من روايته قريبا أيكم دخل الصف وهو راكع وتمسك المهلب بهذه الرواية الأخيرة فقال : إنما قال له " لا تعد " لأنه مثل بنفسه في مشيه راكعا لأنها كمشية البهائم اهـ .

                                                                                                                                                                                                        ولم ينحصر النهي في ذلك كما حررته ، ولو كان منحصرا لاقتضى ذلك عدم الكراهة في إحرام المنفرد خلف الصف ، وقد تقدم نقل الاتفاق على كراهيته ، وذهب إلى تحريمه أحمد وإسحاق وبعض محدثي الشافعية كابن خزيمة ، واستدلوا بحديث وابصة بن معبد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة أخرجه أصحاب السنن وصححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما . ولابن خزيمة أيضا من حديث علي بن شيبان نحوه وزاد لا صلاة لمنفرد خلف الصف واستدل الشافعي وغيره بحديث أبي بكرة على أن الأمر في حديث وابصة للاستحباب لكون أبي بكرة أتى بجزء من الصلاة خلف الصف ولم يؤمر بالإعادة ، لكن نهي عن العود إلى ذلك ، فكأنه أرشد إلى ما هو الأفضل . وروى البيهقي من طريق المغيرة عن إبراهيم فيمن صلى خلف الصف وحده فقال : [ ص: 314 ] صلاته تامة وليس له تضعيف ، وجمع أحمد وغيره بين الحديثين بوجه آخر ، وهو أن حديث أبي بكرة مخصص لعموم حديث وابصة ، فمن ابتدأ الصلاة منفردا خلف الصف ثم دخل في الصف قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الإعادة كما في حديث أبي بكرة ، وإلا فتجب على عموم حديث وابصة وعلي بن شيبان . واستنبط بعضهم من قوله " لا تعد " أن ذلك الفعل كان جائزا ثم ورد النهي عنه بقوله لا تعد ، فلا يجوز العود إلى ما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه طريقة البخاري في " جزء القراءة خلف الإمام " ويؤخذ مما حررته جواب من قال : لم لا دعا له بعدم العود إلى ذلك كما دعا له بزيادة الحرص ؟ وأجاب بأنه جوز أنه ربما تأخر في أمر يكون أفضل من إدراك أول الصلاة اهـ . وهو مبني على أن النهي إنما وقع عن التأخير وليس كذلك .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : قوله " ولا تعد " ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود ، وحكى بعض شراح المصابيح أنه روي بضم أوله وكسر العين من الإعادة ، ويرجح الرواية المشهورة ما تقدم من الزيادة في آخره عند الطبراني صل ما أدركت واقض ما سبقك وروى الطحاوي بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف واستدل بهذا الحديث على استحباب موافقة الداخل للإمام على أي حال وجده عليها ، وقد ورد الأمر بذلك صريحا في سنن سعيد بن منصور من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أناس من أهل المدينة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من وجدني قائما أو راكعا أو ساجدا فليكن معي على الحال التي أنا عليها وفي الترمذي نحوه عن علي ومعاذ بن جبل مرفوعا وفي إسناده ضعف ، لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكورة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية