الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        838 [ ص: 212 ] ( 42 ) باب جامع السعي

                                                                                                                        801 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ; أنه قال : قلت لعائشة - أم المؤمنين - وأنا يومئذ حديث السن : أرأيت قول الله تبارك وتعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما [ البقرة : 185 ] فما على الرجل شيء أن لا يطوف بهما .

                                                                                                                        [ ص: 213 ] فقالت عائشة : كلا . لو كان كما تقول ، لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما . إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار . كانوا يهلون لمناة . وكانت مناة حذو قديد . وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة . فلما جاء الإسلام . سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك . فأنزل الله تبارك وتعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما [ البقرة : 158 ] .

                                                                                                                        [ ص: 214 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 214 ] 17392 - قال أبو عمر : أما قول عروة في هذا الحديث : " وأنا يومئذ حديث السن " ، ففيه دليل على أنه إذا حدث بهذا الحديث كان يقول غير ما قاله إذ كان في غير السن .

                                                                                                                        [ ص: 215 ] 17393 - وفي ذلك ما يدل على أن عروة ممن يذهب مذهب عائشة في وجوب السعي بين الصفا والمروة ، وإن كان قد اختلف عنه في ذلك .

                                                                                                                        17394 - وقد تقدم ما للعلماء في إيجاب السعي من الاختلاف في الباب قبل هذا .

                                                                                                                        17395 - وأما ما احتجت به عائشة - رضي الله عنها - من قولها : " لو كان كما تقول لكانت : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) " ولو كانت قراءة صحيحة ما جهلتها عائشة ، ولا عابت على عروة ; لأنه كان يجاوبها بأنها كانت قراءة أبي ، وابن مسعود ، وأنها مما نزل القرآن عليه .

                                                                                                                        17396 - ويشهد لما قلناه سقوطها من المصحف المجتمع عليه .

                                                                                                                        17379 - وأما " مناة " فصنم ، وهو الذي ذكر الله تعالى أنه أحد الأصنام الثلاثة في قوله تعالى : ومناة الثالثة الأخرى [ النجم : 20 ] .

                                                                                                                        17398 - وإنما تحرج المسلمون من السعي بين الصفا والمروة ; لأنه كان موضع ذبائحهم لأصنامهم ; فأخبرهم الله تعالى أن الصفا والمروة من شعائر الله لئلا يتحرج من السعي بينهما والطواف بهما .

                                                                                                                        17399 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عائشة ، [ ص: 216 ] قالت : كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة في الجاهلية - ومناة صنم بين مكة والمدينة - فقالوا : يا نبي الله ! إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة فهل علينا من حرج أن نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما [ البقرة : 158 ] . قال عروة : فقلت لعائشة : ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة ; فإن الله - عز وجل - يقول : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما . فقالت : يابن أختي ألا ترى أنه يقول : إن الصفا والمروة من شعائر الله [ البقرة : 158 ] . قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن ، فقال : هذا العلم . قال أبو بكر : ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة ; قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة ، وإن الله تعالى قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر بين الصفا والمروة فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما ؟ فأنزل الله ، عز وجل : إن الصفا والمروة الآية [ 158 من سورة البقرة ] كلها .

                                                                                                                        قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما ، فيمن طاف ، وفيمن لم يطف .

                                                                                                                        [ ص: 217 ] 17400 - قال أبو عمر : قول أبي بكر بن عبد الرحمن : " فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين . . . " يعني القائلين بأن الآية نزلت فيمن قال : " يا نبي الله إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة " . يعني مناة التي كانت للأنصار لئلا يعظموا غير الله تعالى وكانت لهم آلهة يعبدونها قد نصبوها بين المسلك بين مكة والمدينة ; فكانوا يكرهون أن يطوفوا بين الصفا والمروة من أجل مناة التي كانت لقريش ، وما أدري موضع مناة الثالثة الأخرى . [ ص: 218 ] والفريق الثاني هم القائلون بأن الآية إنما نزلت لقول من قال : " إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة كما كنا نطوف بالبيت فأمر الله تعالى بالطواف بالبيت ولم يأمر بالطواف بين الصفا والمروة فهل علينا من حرج ألا نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية [ 158 من سورة البقرة ] كلها .

                                                                                                                        17401 - قال أبو عمر : فهذا تأويل قول أبي بكر بن عبد الرحمن " أسمع هذه الآية أنزلت في الفريقين كليهما ممن طاف ومن لم يطف . يريد أنه سمع القولين معا في سبب نزول الآية ، والآية محتملة لهما ، وكلا القولين علم ، وكذلك قال : " إن هذا لعلم " . " وهذا العلم " .

                                                                                                                        17402 - ويحتمل قوله " هذا العلم " إشارة إلى قول عائشة واحتجاجها بقوله ، عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله [ 158 : البقرة ] أي قد جعل الطواف بينهما من الشعائر التي أرادها من عباده في الحج والعمرة كما قال : إن الدين عند الله الإسلام [ 19 : آل عمران ] وهذا القول مع العلم سبب نزول الآية على وجوب السعي بين الصفا والمروة كما قال أهل الحجاز ، والله أعلم .

                                                                                                                        17403 - أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال حدثني محمد بن معاوية ، قال : حدثني أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا عمرو بن عثمان ، قال : حدثني أبي ، عن شعيب ، عن الزهري عن عروة قال : سألت عائشة عن قول الله عز وجل فلا جناح عليه أن يطوف بهما [ 185 : البقرة ] فوالله ما على أحد جناح أن [ ص: 219 ] لا يطوف بهما ؟ فقالت عائشة : بئس ما قلت ، يا ابن أختي ! إنما هذه الآية لو كانت كما أولتها كانت " لا جناح عليه أن لا يطوف بهما " ، ولكنها إنما أنزلت في الأنصار . قبل أن يسلموا ; كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل ، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة ، فلما سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك أنزل الله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما [ 158 : البقرة ] ، ثم قد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بهما .

                                                                                                                        17404 - قال أحمد بن شعيب : وأخبرنا محمد بن منصور ، قال : حدثني سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، قال : قرأت على عائشة : فلا جناح عليه أن يطوف بهما [ 158 : البقرة ] [ ص: 220 ] قلت : وما أبالي أن لا يطوف بهما . قالت : بئس ما قلت . . . " وذكر الخبر ، وفيه قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم ; فأعجبه ذلك ، وقال : سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية .

                                                                                                                        17405 - وقال آخرون من الأنصار : إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بين الصفا والمروة فأنزل الله ، عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله [ 158 : البقرة ] .

                                                                                                                        17406 - قال أبو بكر بن عبد الرحمن : فأراها قد نزلت في هؤلاء .




                                                                                                                        الخدمات العلمية