الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1435 - مسألة : وأما بيع القصيل قبل أن يسنبل على القطع فجائز ; لأن فرضا على كل أحد أن يزيل ماله عن أرض غيره ، وأن لا يشغلها به ، فهذا شرط واجب ، مفترض ، فإن تطوع له رب الأرض بالترك من غير شرط : فحسن ; لأن لكل أحد إباحة [ ص: 310 ] أرضه لمن شاء ، ولما شاء ، مما لم ينه عنه ، فإن زاد فلصاحب المال أن يتطوع له بالزيادة ; لأنه ماله يهبه لمن شاء ما لم يمنعه قرآن ، أو سنة ، والهبة فعل خير وفضل ، قال الله تعالى : { وافعلوا الخير } ، وقال تعالى : { ولا تنسوا الفضل بينكم } .

                                                                                                                                                                                          فإن أبى فالبينة ، فإن لم تكن بينة فهما متداعيان في الزيادة - وهي بأيديهما معا - فكل واحد يقول : هي لي ، فيحلفان ، لأن كل واحد منهما مدعى عليه ، ثم يبقى لكل أحد ما بيده لبراءته من دعوى خصمه بيمينه - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          ومنع أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، من بيع القصيل حتى يصير حبا يابسا ، ولم يأت بهذا نص أصلا - ثم تناقضوا ، فأجازوا بيعه على القطع - .

                                                                                                                                                                                          وكل هذا بلا برهان أصلا لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه ، ولا دليل لهم على ما منعوا من ذلك ، ولا على ما أباحوا منه .

                                                                                                                                                                                          وقال سفيان الثوري ، وابن أبي ليلى : لا يجوز بيع القصيل لا على القطع ولا على الترك - وقول هؤلاء أطرد وأصح في السنبل قبل أن يشتد .

                                                                                                                                                                                          واختلفوا إن ترك الزرع فزاد ؟ فقال مالك : ينفسخ البيع جملة .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : للمشتري المقدار الذي اشترى ويتصدق بالزيادة - ويروى عنه أنه رجع فقال : للمشتري المقدار الذي اشترى ، وأما الزيادة فللبائع .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : البائع مخير بين أن يدع له الزيادة فيجوز البيع والهبة معا أو يفسخ البيع - وقال أبو سليمان : الزيادة للمشتري مع ما اشترى .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما فسخ مالك للبيع فقول لا دليل على صحته أصلا ، ولأي معنى يفسخ بيعا وقع على صحة بإقراره ؟ هذا ما لا يجوز إلا بقرآن ، أو سنة .

                                                                                                                                                                                          وأما أول قولي أبي حنيفة فخطأ ; لأن الزيادة إذ جعلها للمشتري فلأي شيء يأمره بالصدقة بها دون أن يأمره بأن يتصدق بالقدر الذي اشترى وكلاهما له - وأما القول الذي رجع إليه من أن الزيادة للبائع : فصحيح ، إذا قامت البينة بها وبمقدار ما اشترى .

                                                                                                                                                                                          وأما قول الشافعي فظاهر الخطأ ; لأنه إذ جعل الزيادة للبائع ; فلأي معنى أجبره [ ص: 311 ] على هبتها للمشتري أو فسخ البيع ؟ ولأي دليل منعه من طلب حقه والخصام فيه والبقاء عليه ؟

                                                                                                                                                                                          فهذه آراء القوم كما ترى في التحليل والتحريم .

                                                                                                                                                                                          وأما قول أبي سليمان : إن الزيادة للمشتري فخطأ ; لأن المشتري إنما اشترى قدرا معلوما فله ما حدث في العين الذي اشترى ، وللبائع ما زاد فيما استبقى لنفسه ولم يبعه من المشتري ، فالزيادة في طول الساق للبائع لما ذكرنا لأنه ليس للمشتري إلا زرع ما اشترى فقط ، وإنما تأتي الزيادة من الأصل .

                                                                                                                                                                                          وأما السنبل ، والحب ، والنور ، والورق ، والتبن ، والخروب فللمشتري لأنه في عين ماله حدث - وقد جاء في هذا عن بعض التابعين - : ما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير قال : لا بأس ببيع الشعير للعلف قبل أن يبدو صلاحه إذا كان يحصده من مكانه ، فإن غفل عنه حتى يصير طعاما فلا بأس به .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية