الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 100 ] فصل

وأما قول القائل: "إن النجباء بمصر والأبدال بالشام والنقباء بالعراق" ونحو هذا الكلام، فهذا الكلام على الإطلاق باطل قطعا، فإن هذه الأمصار كانت في أول الإسلام ديار كفر، لم يكن بها أحد من أولياء الله، ولما صارت دار إسلام صار فيها من أولياء الله المتقين بحسب ما في أهلها من الإيمان والتقوى، ولا يختص إقليم من هذه الأقاليم بالأبدال. ومن قال إن الأبدال لا يكونون إلا بالشام فقد أخطأ، فإن خيار هذه الأمة من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار كانوا بالمدينة النبوية، ولما فتحت الأمصار كان في كل مصر من خيار المسلمين من لا يحصيه إلا الله.

وقد جاء في فضائل الشام وأهله أحاديث معروفة لم يجئ مثلها في العراق وغيره من الأمصار، مثل قوله في الحديث الصحيح: "إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام" . [ ص: 101 ]

وقوله: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا" . وفي القرآن أربع آيات تدل على حصول البركة في الشام . ومثل قوله لعبد الله بن حوالة لما قال: "إنكم ستجندون أجنادا مجندة: جندا بالشام، وجندا باليمن، وجندا بالعراق"، فقال عبد الله بن حوالة: يا رسول الله! اختر لي، فقال: "عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله". رواه أبو داود وغيره .

وفي "صحيح مسلم" وغيره عنه أنه قال:"لا يزال أهل الغرب ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة" . قال الإمام أحمد: أهل الغرب هم أهل الشام. وهذا الذي قاله [ ص: 102 ] أحمد هو معروف عند السلف، كانوا يسمون أهل الشام وما يغرب عنها أهل الغرب، ويسمون أهل نجد والعراق وما يشرق عن ذلك أهل الشرق. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بالمدينة النبوية، فما يغرب عنها فهو غرب، وما يشرق عنها فهو شرق.

وقد جاء في بعض الآثار أن أكثر الأبدال بالشام .

فأما الحديث المأثور "لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال، أربعين رجلا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا"، فهذا يروى عن علي بن أبي طالب بإسناد منقطع، وهو في "المسند" وغيره، وهو من رواية بعض الشيوخ الشاميين عن علي، وهو لم يسمعه منهم، وإنما بلغه عن علي بلاغا، فلم يضبط له لفظه.

التالي السابق


الخدمات العلمية