الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 45 ] باب المساقاة : تجوز المساقاة في النخل وفي كل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب المساقاة

                                                                                                                          هي مفاعلة من السقي ; لأنه أهم أمرها ، وكانت النخل بالحجاز تسقى نضحا أي من الآبار ، فيعظم أمره ، وتكثر مشقته ، وهي عبارة أن يدفع إنسان شجره إلى آخر ليقوم بسقيه ، وما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره ، قاله في " المغني " ، و " الشرح " ، وليس بجامع لخروج ما يدفعه إليه ليغرسه ، ويعمل عليه ، ولا بمانع لدخول ما له ثمن غير مقصود كالصنوبر ، والأصل في جوازها السنة ، فمنها ما روى ابن عمر قال : عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ، متفق عليه ، وقال أبو جعفر : عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث أو الربع ، وهذا عمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكر ، فكان كالإجماع .

                                                                                                                          ( تجوز المساقاة في النخل ) وعليه اقتصر داود ( وفي كل شجر له ثمر مأكول ) لأن الحاجة تدعو إلى ذلك ; لأن كثيرا من الناس لا شجر لهم ، ويحتاجون إلى الثمر ففي تجويز المساقاة دفع الحاجتين ، وحصول المنفعة لهما فجاز كالمضاربة ، والمنتفع به كالمأكول ، ومقتضى ما ذكروه أنها لا تصح على ما لا ثمر له كالحور ، أو له ثمر غير مقصود كالصنوبر ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " بغير خلاف نعلمه إذ ليس منصوصا عليه ، ولا هو في معنى المنصوص لكن إن قصد ورقه كالتوت ، أو زهره كالورد ، فالقياس جوازه ; لأنه في معنى الثمرة لكونه [ ص: 46 ] يتكرر كل عام ، ويمكن أخذه ، وقد يقال إن المنصوص يشمله ( ببعض ثمرته ) أي بجزء مشاع كالثلث ونحوه للخبر ، لا على صاع ، أو آصع ، أو ثمرة نخلة بعينها لما فيه من الغرر ، إذ يحتمل أن لا يحصل إلا ذلك ، فيتضرر المالك ، أو يكثر الحاصل فيتضرر العامل ، وتكون التسمية له ; لأن المالك يستحق بالأصل ، ومقتضاه أن تكون من تلك الثمرة ، فلو شرط له ثمر نخل غير الذي ساقاه عليه ، أو ثمرة سنة غير الذي ساقاه عليها لم يصح لمخالفة موضوعها ، ولا فرق فيه بين السقي والبعل عند من يجوزها .

                                                                                                                          أصل : لا يقال ابن عمر قد رجع عما روى لقوله : كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة ; لأنه لا يجوز حمل حديث رافع على ما يخالف الإجماع ; لأنه عليه السلام لم يزل يعامل أهل خيبر حتى مات ثم عمل به الخلفاء ثم من بعدهم ، فكيف يتصور نهيه عليه السلام عن ذلك ، وقد روى طاوس أن أعلمهم - يعني ابن عباس - أخبر أنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه ، وقال ; لأن يمنح أحدكم أخاه أرضا خير له من أن يأخذ عليه أجرا معلوما ، متفق عليه ، ثم حديث رافع محمول على ما قلنا لما روى البخاري بإسناده قال : كنا أكثر الأنصار حقلا ، فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه ، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه ، فنهانا عنه ، فأما الورق فلم ينهنا ، ورجوع ابن عمر يحتمل أنه رجع عن شيء من المعاملات الفاسدة مع أن فيه اضطرابا ، قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن حديث رافع ، فقال : يروى فيه ضروب ، كأنه يريد اختلاف الروايات عنه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية