الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في استلام الحجر الأسود وتقبيله ، وما يقال حينئذ

                                                                                                                                            1953 - ( عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يأتي هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ، ولسان ينطق به ، ويشهد لمن استلمه بحق } . رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ) .

                                                                                                                                            1954 - ( { وعن عمر أنه كان يقبل الحجر ويقول : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك } رواه الجماعة ) .

                                                                                                                                            1955 - ( وعن ابن عمر { وسئل عن استلام الحجر فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ثم يقبله } . رواه البخاري ) .

                                                                                                                                            1956 - ( وعن نافع قال : { رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله } . متفق عليه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عباس صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم قوله : ( { لا تضر ولا تنفع } ) أخرجه الحاكم من حديث أبي سعيد { أن عمر لما قال هذا قال له علي بن أبي طالب : إنه يضر وينفع وذكر أن الله تعالى لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد } .

                                                                                                                                            وفي إسناده أبو هارون العبدي وهو ضعيف جدا ، ولكنه يشد عضده حديث ابن عباس المتقدم ، قال الطبري : إنما قال عمر ذلك ; لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية فأراد أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ; لأن الحجر يضر وينفع بذاته كما كانت الجاهلية تعبد الأوثان [ ص: 50 ] قوله : ( ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . . . إلخ ، فيه استحباب تقبيل الحجر الأسود وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وسائر العلماء ، وحكى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وطاوس والشافعي وأحمد أنه يستحب بعد تقبيل الحجر السجود عليه بالجبهة وبه قال الجمهور .

                                                                                                                                            وروي عن مالك أنه بدعة واعترض القاضي عياض بشذوذ مالك في ذلك وقد أخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس موقوفا : أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه ورواه الحاكم والبيهقي من حديثه مرفوعا ورواه أبو داود الطيالسي والدارمي وابن خزيمة وأبو بكر البزار وأبو علي بن السكن والبيهقي من حديث جعفر بن عبد الله الحميدي وقيل : المخزومي بإسناد متصل بابن عباس أنه رأى عمر يقبله ويسجد عليه ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا ، وهذا لفظ الحاكم قال الحافظ : قال العقيلي : في حديثه هذا يعني : جعفر بن عبد الله وهم واضطراب قوله : ( يستلمه ويقبله ) فيه دليل على أنه يستحب الجمع بين استلام الحجر وتقبيله والاستلام : المسح باليد والتقبيل لها كما في حديث ابن عمر الآخر والتقبيل يكون بالفم فقط .

                                                                                                                                            1957 - ( وعن ابن عباس قال : { طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن } . متفق عليه ، وفي لفظ : { طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر } . رواه أحمد والبخاري ) .

                                                                                                                                            1958 - ( وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الحجر بمحجن معه ويقبل المحجن } . رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            1959 - ( وعن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر } . رواه أحمد ) حديث عمر في إسناده راو لم يسم قوله : ( بمحجن ) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون هو عصا محنية الرأس والحجن : الاعوجاج وبذلك سمي الحجون ، والاستلام افتعال من السلام بالفتح أي : التحية قاله الأزهري وقيل : من السلام بالكسر أي الحجارة والمعنى أنه يومي بعصاه إلى الركن حتى يصيبه قوله : ( وكبر ) فيه دليل [ ص: 51 ] على استحباب التكبير حال استلام الركن قوله : ( ويقبل المحجن ) في رواية ابن عمر المتقدمة أنه استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ولسعيد بن منصور من طريق عطاء قال : رأيت أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابرا إذا استلموا الحجر قبلوا أيديهم قيل : وابن عباس ؟ قال : وابن عباس ، أحسبه قال كثيرا ، قال في الفتح : ولهذا قال الجمهور : إن السنة أن يستلم الركن ويقبل يده فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك ، وعن مالك في رواية : لا يقبل يده ، وبه قال القاسم بن محمد بن أبي بكر وفي رواية عند المالكية يضع يده على فمه من غير تقبيل ، وقد استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر ، وكذلك تقبيل المحجن جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره ، وقد نقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأسا واستبعد بعض أصحابه صحة ذلك ، ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين كذا في الفتح قوله : قال له يا عمر إنك رجل قوي . . . إلخ ، فيه دليل على أنه لا يجوز لمن كان له فضل قوة أن يضايق الناس إذا اجتمعوا على الحجر لما يتسبب عن ذلك من أذية الضعفاء والإضرار بهم ، ولكنه يستلمه خاليا إن تمكن وإلا اكتفى بالإشارة والتهليل والتكبير مستقبلا له وقد روى الفاكهي من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة ، وقال : لا يؤذي ولا يؤذى .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية