الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 175 ] ( ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور )

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذا نوع آخر من تحذير المؤمنين عن مخالطة المنافقين ، وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال السيد السرخسي سلمه الله : ( ها ) للتنبيه و ( أنتم ) مبتدأ و ( أولاء ) خبره و ( تحبونهم ) في موضع النصب على الحال من اسم الإشارة ، ويجوز أن تكون ( أولاء ) بمعنى الذين و ( تحبونهم ) صلة له ، والموصول مع الصلة خبر ( أنتم ) وقال الفراء ( أولاء ) خبر و ( تحبونهم ) خبر بعد خبر .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : أنه تعالى ذكر في هذه الآية أمورا ثلاثة ، كل واحد منها على أن المؤمن لا يجوز أن يتخذ غير المؤمن بطانة لنفسه . فالأول : قوله : ( تحبونهم ولا يحبونكم ) وفيه وجوه . أحدها : قال المفضل : ( تحبونهم ) تريدون لهم الإسلام وهو خير الأشياء ( ولا يحبونكم ) لأنهم يريدون بقاءكم على الكفر ، ولا شك أنه يوجب الهلاك . الثاني : ( تحبونهم ) بسبب ما بينكم وبينهم من الرضاعة والمصاهرة ( ولا يحبونكم ) بسبب كونكم مسلمين . الثالث : ( تحبونهم ) بسبب أنهم أظهروا لكم الإيمان ( ولا يحبونكم ) بسبب أن الكفر مستقر في باطنهم . الرابع : قال أبو بكر الأصم : ( تحبونهم ) بمعنى أنكم لا تريدون إلقاءهم في الآفات والمحن ( ولا يحبونكم ) بمعنى أنهم يريدون إلقاءكم في الآفات والمحن ويتربصون بكم الدوائر . الخامس : ( تحبونهم ) بسبب أنهم يظهرون لكم محبة الرسول ، ومحب المحبوب محبوب ( ولا يحبونكم ) لأنهم يعلمون أنكم تحبون الرسول وهم يبغضون الرسول ، ومحب المبغوض مبغوض . السادس : ( تحبونهم ) أي تخالطونهم ، وتفشون إليهم أسراركم في أمور دينكم ( ولا يحبونكم ) أي لا يفعلون مثل ذلك بكم .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها إشارة إلى الأسباب الموجبة لكون المؤمنين يحبونهم ولكونهم يبغضون المؤمنين ، فالكل داخل تحت الآية ، ولما عرفهم تعالى كونهم مبغضين للمؤمنين وعرفهم أنهم مبطلون في ذلك البغض صار ذلك داعيا من حيث الطبع ، ومن حيث الشرع إلى أن يصير المؤمنون مبغضين لهؤلاء المنافقين .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية