الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1707 [ ص: 7 ] حديث أول لربيعة متصل مسند

مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير ، ولا بالأبيض الأمهق ، ولا بالآدم ، ولا بالجعد القطط ، ولا بالسبط ، بعثه الله على رأس أربعين سنة ، فأقام بمكة عشر سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وتوفاه الله على رأس ستين سنة ، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


أما قوله في هذا الحديث : ليس بالطويل البائن ، فالبائن : هو البعيد الطول ، المشرف المتفاوت ، والبون والبين : البعد ، ومنه قول الشاعر :


وما هاج هذا الشوق إلا حمامة مطوقة قد بان عنها قرينها

أي بعد قرينها عنها .

[ ص: 8 ] وقال زهير :


بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا

وقال جرير :

بان الخليط ولو طوعت ما بانا

وقال الأخفش : البائن هو الطويل الذي يضطرب من طوله ، وهو عيب في الرجال والنساء ، يقول : فلم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك .

وأما قوله : الأمهق فإن ابن وهب وغيره قالوا : الشديد الذي ليس بمشرق ، ولا يخالطه شيء من الحمرة ، يخاله الناظر إليه برصا يقول : فلم يكن كذلك - صلى الله عليه وسلم - .

وكذلك وصفه علي - رضي الله عنه - ، وهو أحسن الناس له صفة فقال : كان أبيض مشربا بحمرة ، وقال بعض الأعراب :


أما تبينت بها مهقة تنبو بقلب الشيق العازم

وأما قوله ليس بالآدم فإنه يقول : ليس بأسمر ، والأدمة السمرة .

والقطط هو الشديد الجعودة مثل شعر الحبش .

والسبط : المرسل الشعر ، الذي ليس في شعره شيء من التكسير ، يقول : فهو جعد ، رجل ، كأنه دهره قد رجل شعره يعني مشط [ ص: 9 ] وأما قوله : بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين ، فمختلف في ذلك على ما نحن ذاكروه إن شاء الله .

وأما قوله : بالمدينة عشر سنين فمجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه ، وأما قوله : وتوفاه الله على رأس ستين فمختلف فيه ، على حسب اختلافهم في مقامه بمكة ، فحديث ربيعة عن أنس على ما ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ستين .

ورواه عن ربيعة ، جماعة من الأئمة منهم مالك ، وأنس بن عياض ، وعمارة بن غزية ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والأوزاعي ، وسعيد بن أبي هلال ، وسليمان بن بلال ، كلهم عن ربيعة ، عن أنس بمعنى حديث مالك سواء .

وقد ذكر البخاري حديث ربيعة هذا ، عن أنس ، ثم أتبعه فقال : حدثني أحمد صاحب لنا قال : حدثني أبو غسان [ ص: 10 ] محمد بن عمرو الرازي زنيج قال : حدثنا حكام بن سلم ، قال : حدثنا عثمان بن زائدة ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس بن مالك قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وعمر وهو ابن ثلاث وستين سنة .

قال البخاري : وهذا عندي أصح من حديث ربيعة .

قال أبو عمر :

إنما قال ذلك البخاري - والله أعلم - لأن عائشة ، ومعاوية ، وابن عباس على اختلاف عنه ، كلهم يقول : إن رسول [ ص: 11 ] الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ثلاث وستين ، ولم يختلف عن عائشة ، ومعاوية في ذلك .

رواه جرير ، عن معاوية ، وجاء عن أنس ما ذكر ربيعة عنه ، وذلك مخالف لما ذكره هؤلاء كلهم .

وروى الزبير بن عدي ، وهو ثقة ، عن أنس ما يوافق ما قالوا ، فقطع البخاري بذلك ; لأن المنفرد أولى بإضافة الوهم إليه من الجماعة .

وأما من طريق الإسناد ، فحديث ربيعة أحسن إسنادا في ظاهره ; إلا أنه قد بان من باطنه ما يضعفه ، وذلك مخالفة أكثر الحفاظ له ، فإن لم يكن هذا وجه قول البخاري ، وإلا فلا أعلم له وجها ، وقد تابع ربيعة على روايته عن أنس نافع أبو غالب .

وروي عن أنس بن مالك قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله أربعون سنة .

[ ص: 12 ] قال البخاري : وأخبرنا محمد بن عمر القصبي ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا نافع أبو غالب ، أنه سمع أنس بن مالك يقول : أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشرا بعد أن بعث .

وذكره ابن أبي خيثمة ، قال : حدثنا محمد بن عمر القصبي قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا نافع أبو غالب قال : قلت لأنس : يا أبا حمزة ، كم كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قبض قال : ستون سنة .

وقد روى ابن وهب ، عن قرة بن عبد الرحمن ، عن ابن شهاب ، عن أنس قال : نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين سنة ، ومكث بمكة عشرا ، وبالمدينة عشرا ، وتوفي وهو ابن ستين سنة .

وقد روي من حديث ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن اثنتين وستين سنة ، وأشهر .

[ ص: 13 ] وذكر إبراهيم بن المنذر ، عن سعد بن سعيد بن أبي سعيد ، عن أخيه ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين ، فأقام بمكة عشرا ، وبالمدينة عشرا ، وتوفي وهو ابن ستين سنة .

قال أبو عمر :

وممن قال أن رسول الله بعث على رأس أربعين سنة قباث بن أشيم ، قال : نبئ النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأس أربعين من عام الفيل . .

قال أبو عمر :

لا خلاف أنه ولد - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفيل ، إذ ساقه الحبشة إلى مكة يغزون البيت .

وروى هشام بن حسان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين - صلى الله عليه وسلم - ، ورواه جماعة عن هشام بن حسان ، وهو قول [ ص: 14 ] عروة بن الزبير ، رواه عن عروة هشام بن عروة ، وعمرو بن دينار .

وكان عروة يقول : إنه أقام بمكة عشرا ، وأنكر قول من قال : أقام بها ثلاث عشرة سنة ، وقوله كرواية ربيعة سواء .

وكان الشعبي يقول : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونبئ - صلى الله عليه وسلم - لأربعين ، ثم وكل به إسرافيل ثلاث سنين ، قرن بنبوته ، فكان يعلمه الكلمة والشيء ، ولم ينزل عليه القرآن على لسانه ، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل ، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة . هذا كله قول الشعبي .

وكذلك قال محمد بن جبير بن مطعم : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبئ على رأس أربعين ، وهو قول عطاء الخراساني .

وممن قال : إنه بعث على رأس ثلاث وأربعين : ابن عباس من رواية هشام الدستوائي ، عن عكرمة عنه ، خلاف ما رواه هشام بن حسان ، وقاله أيضا سعيد بن المسيب .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : أخبرنا هشام ، قال : حدثنا عكرمة ، عن ابن عباس قال : أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن ثلاث وأربعين [ ص: 15 ]

قال أحمد بن زهير : وأخبرني أبي ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، قال أحمد بن زهير : وحدثنا عبيد الله بن عمر ، قال : حدثنا حماد بن زيد جميعا ، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي ، وهو ابن ثلاث وأربعين سنة .

خالف القواريري عارم في هذا الخبر ، عن حماد بن زيد ، فقال فيه : أنزل عليه ، وهو ابن أربعين سنة ، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة .

[ ص: 16 ] ورواه يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد ، مثل رواية القواريري ، وهو عبيد الله بن عمر ، عن حماد بن زيد .

وأخبرنا خلف بن قاسم قال : حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن راشد ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا أحمد بن صالح قال : حدثنا ابن وهب قال : حدثني قرة بن عبد الرحمن المعافري ، عن ابن شهاب ، وربيعة ، عن أنس قال : نبئ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن أربعين ، فأقام بمكة عشرا ، وبالمدينة عشرا .

قال أبو عمر :

لا أعلم أحدا رواه عن ابن شهاب عن قرة - والله أعلم - .

وأما مكثه بمكة - صلى الله عليه وسلم - ، ففي قول أنس من رواية ربيعة ، وأبي غالب أنه مكث بمكة عشر سنين ، وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وابن عباس ، وهو قول عروة بن الزبير ، والشعبي ، وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه ، وابن شهاب ، والحسن ، وعطاء الخراساني ، وكذلك روى هشام الدستوائي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .

حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أبو الميمون ، قال : حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن ابن عباس وعائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن ، وبالمدينة عشرا . [ ص: 17 ]

وحدثنا خلف ، قال : حدثنا أبو الميمون ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا أحمد بن شبويه ، ومحمد بن أبي عمر ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، قال : قلت لعروة بن الزبير : كم لبث النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة ؟

قال : عشرا قلت : فإن ابن عباس يقول : بضع عشرة ، قال : إنما أخذه من قول الشاعر .

وروى هشام بن حسان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه مكث بمكة بعد ما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشرة سنة ، وكذلك روى أبو حمزة ، وعمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، وهو قول أبي جعفر محمد بن علي ، وقال أبو قيس صرمة بن أبي أنس الأنصاري في أبيات يفخر بما من الله به عليه من صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونصرته له :


ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى صديقا مواتيا

في أبيات قد ذكرتها بتمامها في باب صرمة من كتاب الصحابة .

[ ص: 18 ] وأما سنه في حين وفاته ، ففي حديث ربيعة ، وأبي غالب ، عن أنس : إنه توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ستين ، وهو قول عروة بن الزبير .

وروى حميد ، عن أنس ، قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن خمس وستين ، ذكره أحمد بن زهير ، عن المثنى بن معاذ ، عن بشر بن المفضل ، عن حميد .

، وروى الحسن عن دغفل النسابة ، وهو دغفل بن حنظلة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبض ، وهو ابن خمس وستين ، ولم يدرك دغفل النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وقال البخاري : ولا نعرف للحسن سماعا من دغفل .

[ ص: 19 ] قال البخاري : وروى عمار بن أبي عمار عن ابن عباس ، قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن خمس وستين سنة .

قال البخاري : ولا يتابع عليه إلا شيء رواه العلاء بن صالح ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشر سنين ، وخمس سنين ، وأشهرا ، ولم يوافق عليه العلاء ، وهو شيء لا أصل له .

قال : وروى عكرمة ، وأبو ظبيان ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعمرو بن دينار كلهم ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض وهو ابن ثلاث وستين .

[ ص: 20 ] قال أبو عمر :

قد روى علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن خمس وستين ذكره أحمد بن زهير ، عن أحمد بن حنبل ، عن هشيم ، عن علي بن زيد ، وإنما ذكرنا هذا ، وإن كان الصحيح عندنا غيره ; لقول البخاري : إنه لم يتابع عليه عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ، عن ابن عباس .

والذي ذكره البخاري أنهم رووا عن ابن عباس : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ثلاث وستين فكما ذكر ، وقد روى أبو حمزة ، ومحمد بن سيرين أيضا ، عن ابن عباس : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن ثلاث وستين ، ولم يختلف ، عن عائشة ، ومعاوية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن ثلاث وستين .

وأما حديث عمار بن أبي عمار فرواه سفيان الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن عمار مولى بني هاشم ، عن ابن عباس قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن أربعين سنة ، فأقام بمكة خمس عشرة سنة ، وبالمدينة عشر سنين وقبض وهو ابن خمس وستين سنة ، ورواه شعبة ، عن يونس ، عن عمار مولى بني هاشم ، قال : سألت ابن عباس : ابن كم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ [ ص: 21 ] فقال : إن هذا لشديد على مثلك ، ألا تعلم مثل هذا في قومك ؟ توفي وهو ابن خمس وستين ، ورواه حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس مثله .

فالاختلاف على ابن عباس في هذا قوي ، لأن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ، وسعيد بن جبير من رواية العلاء بن صالح ، عن المنهال ، عن سعيد ، ويوسف بن مهران كلهم اتفقوا ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن خمس وستين سنة .

وروى أبو سلمة ، وعكرمة ، ومحمد بن سيرين ، وأبو حمزة ، وأبو حصين ، ومقسم ، وأبو ظبيان ، وعمرو بن دينار [ ص: 22 ] كلهم ، عن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن ثلاث وستين .

وقد روى معاذ بن معاذ ، عن بشر بن المفضل ، عن حميد ، عن أنس قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن خمس وستين ذكره ابن أبي خيثمة ، عن المثنى بن معاذ هكذا ، وذكره المستملي ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن أنس مثله : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي ، وهو ابن خمس وستين .

والصحيح عندي حديث معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن دغفل بن حنظلة ، قال : توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن خمس وستين .

[ ص: 23 ] حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة ، وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب ، قال إسحاق : أخبرني أبي ، وقال إبراهيم بن حمزة : حدثني محمد بن فليح ، كلاهما ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : حدثني عروة ، عن عائشة قالت : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، [ ص: 24 ] قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الترجماني ، قال : حدثنا حسان بن إبراهيم ، قال : حدثنا يونس بن يزيد ، عن الزهري ، قال : أخبرني عروة ، عن عائشة قالت : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين ، قال الزهري : وأخبرني سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك .

[ ص: 25 ] قال أبو عمر :

هذا أصح شيء جاء في هذا الباب إلا أني أعجب من رواية هشام بن عروة ، وعمرو بن دينار ، عن عروة ، وقوله بخلاف هذا الحديث على ما قدمنا عنه ، وما أدري كيف هذا ؟

[ ص: 26 ] وروى شعبة ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن جرير بن عبد الله أنه سمع معاوية يقول : قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين .

قاله أبو إسحاق ، وعامر بن سعد ، وعبد الله بن عتبة ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي ، وعليه أكثر الناس ; لأنه يجتمع على هذا القول كل من قال : تنبئ على رأس أربعين ، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة ، وكل من قال : بعث على رأس ثلاث وأربعين ، فأقام بمكة عشرا ، وهو الذي يسكن إليه القلب في وفاته - والله أعلم - .

ولا خلاف أنه ولد يوم الاثنين بمكة في ربيع الأول عام الفيل ، وأن يوم الاثنين أول يوم أوحى الله إليه فيه ، وأنه قدم المدينة في ربيع الأول قال ابن إسحاق : وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، وأنه توفي يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة - صلى الله عليه وسلم - .

وروى كريب عن ابن عباس ، قال : أوحى الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو ابن أربعين سنة ، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة عشرا ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين .

وذكر يعقوب بن شيبة ، قال : حدثنا عارم بن الفضل ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وأنزل عليه وهو ابن أربعين سنة ، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة عشرا .

[ ص: 27 ] قال أبو عمر :

هذا ما في ذلك عندي - والله أعلم - ا هـ .

وحدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا عبد الرحمن ( ( ابن عمر ) ) أبو الميمون بدمشق ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عنبسة بن خالد ، قال : حدثنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وستين .

، وصدق ذلك حديث علي بن الحسين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو ابن ثلاث وستين .

وأما شيبه - صلى الله عليه وسلم - فأكثر الآثار على نحو [ ص: 28 ] حديث ربيعة ، عن أنس في تقليل شيبه عليه السلام ، وأن ذلك كان منه في عنفقته .

وقد روي أنه كان يخضب ، وليس بقوي ، والصحيح أنه لم يخضب ، ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له .

وسنذكر ذلك في باب حديث سعيد المقبري ، عن عبيد بن جريج ، عن ابن عمر من كتابنا هذا إن شاء الله .

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح إملاء ، قال : حدثنا يوسف بن عدي قال : حدثنا الوليد بن كثير ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قال : سألت أو سئل أنس : هل خضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لم يدرك الخضاب ، ولكن خضب أبو بكر وعمر .

وقد أكثر الناس في صفته - صلى الله عليه وسلم - فمنهم المطول ، ومنهم المقتصد ، ومن أراد الوقوف على ذلك تأمله في كتاب أحمد بن زهير ، وغيره .

[ ص: 29 ] وأحسن الناس له صفة في اختصار : علي بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا يوسف بن عدي ، وزهير بن عباد ، وابن أبي شيبة قالوا : حدثنا عيسى بن يونس ، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة ، عن إبراهيم بن محمد من ولد علي قال : كان علي إذا نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لم يكن بالطويل الممغط ، ولا بالقصير المتردد ، وكان ربعة من [ ص: 30 ] القوم ، ولم يكن بالجعد القطط ، ولا بالسبط ، كان جعدا ، رجلا ، ولم يكن بالمطهم ، ولا بالمكلثم ، وكان في الوجه تدوير ، أبيض ، مشرب حمرة ، أدعج العينين ، أهدب الأشفار ، جليل المشاس ، والكتد ، أجرد ذو مسربة ، شثن الكفين ، والقدمين ، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب ، وإذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم النبوة ، وهو [ ص: 31 ] خاتم النبيئين ، أجود الناس كفا ، وأجرؤ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفى الناس بذمة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله ، ولا بعده مثله - صلى الله عليه وسلم - .

قوله الممغط هو الطويل المديد ، وقال : الخليل بن أحمد : الفرس المطهم ، التام الخلق ، وقال أبو عبيد : المشاش رءوس العظام ، وقال الخليل : الكتد : ما بين الثبج إلى منتصف الكاهل من الظهر ، والمسربة شعرات تتصل من الصدر إلى السرة .




الخدمات العلمية