الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهذه نبذة من سيرته وأحواله وكشف سريرته وأقواله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحسين بن منصور بن محمي الحلاج أبو مغيث ، ويقال أبو عبد الله ، [ ص: 819 ] كان جده مجوسيا اسمه محمي من أهل فارس نشأ بواسط ، ويقال بتستر ، ودخل بغداد وتردد إلى مكة مرارا للحج وجاور بها سنوات متفرقة ، وكان يصابر نفسه ويجاهدها فلا يجلس إلا تحت السماء في وسط المسجد في الحر والبرد ولا يأكل إلا بعض قرص ويشرب قليلا من الماء معه وذلك وقت الفطور مدة سنة كاملة ويجلس على صخرة في قبالة الحرم في جبل أبي قبيس وقد صحب جماعة من سادات مشايخ الصوفية كالجنيد بن محمد وعمرو بن عثمان المكي وأبي الحسين النوري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الخطيب البغدادي والصوفية مختلفون فيه فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم وأبى أن يعده فيهم ، وقبله من متقدميهم أبو العباس بن عطاء البغدادي ومحمد بن خفيف الشيرازي وإبراهيم بن محمد النصراباذي النيسابوري وصححوا له حاله ودونوا كلامه حتى قال ابن خفيف : الحسين بن منصور عالم رباني .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عبد الرحمن السلمي ، واسمه محمد بن الحسين : سمعت إبراهيم بن محمد النصراباذي وعوتب في شيء حكي عن الحلاج في الروح ، [ ص: 820 ] فقال لمن عاتبه : إن كان بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو عبد الرحمن : وسمعت منصور بن عبد الله ، يقول : سمعت الشبلي ، يقول : كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت . وقد روي عن الشبلي من وجه آخر أنه قال وقد رأى الحلاج مصلوبا : ألم ننهك عن العالمين ؟

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الخطيب : والذين نفوه من الصوفية نسبوه إلى الشعبذة في فعله وإلى الزندقة في عقده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وله إلى الآن أصحاب ينسبون إليه ويغلون فيه ، وقد كان الحلاج حسن العبارة حلو المنطق وله شعر على طريقة التصوف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : لم يزل الناس منذ قتل الحلاج مختلفين في أمره . فأما الفقهاء فحكي عن غير واحد من الأئمة إجماعهم على قتله وأنه كان كافرا ممخرقا مموها مشعبذا ، وكذلك قول أكثر الصوفية منهم . ومنهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه ، وقد كان في ابتداء أمره فيه تعبد وتأله وسلوك ، ولكن لم يكن له علم يسلك به في عبادته ، فدخل عليه الداخل بسبب ذلك ، كما قال بعض السلف : من عبد الله بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه . وعن سفيان بن عيينة أنه [ ص: 821 ] قال : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى . ولهذا دخل على الحلاج باب الحلول والاتحاد فصار من أهل الانحلال والإلحاد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ورد من غير وجه أنه تقلبت به الأحوال وتردد إلى البلدان وهو في ذلك كله يظهر للناس أنه من الدعاة إلى الله عز وجل وصح أنه دخل إلى الهند لتعلم السحر ، وقال : أدعو به إلى الله عز وجل . وكانأهل الهند يكاتبونه بالمغيث . ويكاتبه أهل تركستان بالمقيت . ويكاتبه أهل خراسان بالمميز . وأهل فارس بأبي عبد الله الزاهد . وأهل خوزستان بأبي عبد الله الزاهد حلاج الأسرار . وكان بعض البغاددة حين كان عندهم يقولون له : المصطلم . وأهل البصرة يقولون له المحير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويقال : إنما سماه الحلاج أهل الأهواز ; لأنه كان يكاشفهم عن ما في ضمائرهم ، وقيل : لأنه قال لحلاج : اذهب لي في حاجة كذا وكذا ، فقال : إني مشغول ، فقال : اذهب فأنا أسد عنك ، فذهب ورجع سريعا فإذا جميع ما في ذلك المخزن قد حلجه ، يقال : إنه أشار بالمرود فامتاز الحب عن القطن ، وفي صحة هذا نظر . وقيل : لأن أباه كان حلاجا ، ومما يدل على أنه كان ذا حلول [ ص: 822 ] في بدء أمره أشياء كثيرة منها شعره ، فمن ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جبلت روحك في روحي كما يجبل العنبر بالمسك الفتق     فإذا مسك شيء مسني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإذا أنت أنا لا نفترق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقوله أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مزجت روحك في روحي كما     تمزج الخمرة بالماء الزلال
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإذا مسك شيء مسني     فإذا أنت أنا في كل حال

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد تحققتك في سر     ي فخاطبك لساني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فاجتمعنا لمعان     وافترقنا لمعان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن يكن غيبك التع     ظيم عن لحظ العيان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلقد صيرك الوج     د من الأحشاء دان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أنشد لابن عطاء قول الحلاج :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أريدك لا أريدك للثواب     ولكني أريدك للعقاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكل مآربي قد نلت منها     سوى ملذوذ وجدي بالعذاب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال ابن عطاء : هذا مما يتزايد به عذاب الشغف وهيام الكلف واحتراق الأسف فإذا صفا ووفا علا إلى مشرب عذب وهطل من الحق دائم سكب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أنشد لأبي عبد الله بن خفيف قول الحلاج :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 823 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سبحان من أظهر ناسوته     سر سنا لاهوته الثاقب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم بدا في خلقه ظاهرا     في صورة الآكل والشارب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حتى لقد عاينه خلقه     كلحظة الحاجب بالحاجب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال ابن خفيف : على من يقول هذا لعنة الله . فقيل له : إن هذا من شعر الحسين بن منصور ، فقال : ربما يكون مقولا عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومما ينسب إليه من الشعر قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أرسلت تسأل عني كيف كنت وما     لاقيت بعدك من هم ومن حزن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا كنت إن كنت أدري كيف كنت ولا     لا كنت إن كنت أدري كيف لم أكن

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان ويروى لسمنون لا للحلاج .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره أيضا قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      متى سهرت عيني لغيرك أو بكت     فلا أعطيت ما أملت وتمنت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإن أضمرت نفسي سواك فلا رعت     رياض المنى من وجنتيك وجنت

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره أيضا :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 824 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دنيا تغالطني كأن     ي لست أعرف حالها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حظر المليك حرامها     وأنا احتميت حلالها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فوجدتها محتاجة     فوهبت لذتها لها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان الحلاج يتلون في ملابسه ، فتارة يلبس لباس الصوفية ، وتارة يتجرد في ملابس زرية ، وتارة يلبس لباس الأجناد ويعاشر أبناء الدنيا ، وقد رآه بعضهم في ثياب رث وبيده ركوة وعكاز وهو سائح ، فقال له : ما هذه الحالة يا حلاج ؟ فأنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لئن أمسيت في ثوبي عديم     لقد بليا على حر كريم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلا يغررك أن أبصرت حالا     مغيرة عن الحال القديم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلي نفس ستتلف أو سترقى     لعمرك بي إلى أمر جسيم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن مستجاد كلامه ، وقد سأله رجل أن يوصيه بشيء ينفعه : عليك بنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك عن الحق . وقال له رجل : عظني . فقال : كن مع الحق بحكم ما أوجب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الخطيب بسنده إليه أنه قال : علم الأولين والآخرين مرجعه إلى أربع كلمات : حب الجليل ، وبغض القليل ، واتباع التنزيل ، وخوف التحويل . قلت : وقد أصيب الحلاج في المقامين الأخيرين فلم يتبع التنزيل ولم يبق على [ ص: 825 ] الاستقامة ، بل تحول منها إلى الاعوجاج والبدعة ، نسأل الله العافية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو عبد الرحمن السلمي : حكي عن عمرو بن عثمان المكي أنه قال : كنت أماشي الحلاج في بعض أزقة مكة وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي ، فقال : يمكنني أن أقول مثل هذا . ففارقته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الخطيب : وحدثني مسعود بن ناصر أنبأنا ابن باكويه الشيرازي سمعت أبا زرعة الطبري ، يقول : الناس فيه - يعني حسين بن منصور - بين قبول ورد ، ولكن سمعت محمد بن يحيى الرازي ، يقول : سمعت عمرو بن عثمان يلعنه ويقول : لو قدرت عليه لقتلته بيدي ، فقلت : أيش الذي وجد الشيخ عليه ؟ قال : قرأت آية من كتاب الله ، فقال : يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو زرعة الطبري : وسمعت أبا يعقوب الأقطع ، يقول : زوجت ابنتي من الحسين بن منصور لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده ، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : كان تزويجه بها بمكة وهي أم الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع ، فأولدها ولده أحمد بن الحسين بن منصور ، وقد ذكر سيرة أبيه كما ساقها من طريقه الخطيب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر أبو القاسم القشيري في " الرسالة " في باب " حفظ قلوب المشايخ " أن عمرو بن عثمان دخل على الحلاج وهو بمكة وهو يكتب شيئا في [ ص: 826 ] أوراق ، فقال له : ما هذا ؟ فقال : هو ذا أعارض القرآن . قال : فدعا عليه فلم يفلح بعدها ، وأنكر على أبي يعقوب الأقطع تزويجه إياه ابنته ، وكتب إلى الآفاق كتبا كثيرة يلعنه فيها ويحذر الناس منه ، فشرد الحلاج في البلاد فعاث يمينا وشمالا وجعل يظهر للناس أنه يدعو إلى الله - عز وجل - ويستعين بأنواع من الحيل ولم يزل ذلك دأبه وشأنه حتى أحل الله به بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين فقتله بسيف الشرع الذي لا يقع إلا بين كتفي زنديق ، والله أكرم من أن يسلطه على صديق كيف وقد تهجم على القرآن العظيم وأراد معارضته في البلد الحرام الكريم ، وقد قال الله تعالى : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم [ الحج : 25 ] ولا إلحاد أعظم من هذا ، وقد أشبه في حاله هذا كفار قريش في معاندتهم ، الذين قال تعالى فيهم : وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين [ الأنفال : 31 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية